الرئيسية » مبراة » بورصة الدم السوري!

بورصة الدم السوري!

أغلبهم تناسوا فلسطين ونكبتها ومعركة الوجود الأزلية، ولم يدخروا جهداً للاستثمار في الحرب السورية الدائرة منذ سنوات، الكل يدلو بدلوه من يعرف ومن يهرف، من يدري ومن لا يدري، والمصيبة العظمى تتمثل بالسفسطة التي لم يعد بالإمكان إخفاء معالمها الواضحة والتي تظهر جلية في بنات أفكار بعض المتثاقفين الجدد ممن أتاحت لهم تلك الحرب فرصة الظهور، وأصبحوا يعتاشون على الدم السوري رغبة منهم في تحقيق الشهرة وكسب المال.

يحكي أجدادنا عن صيت بنت الجوال (البائع المتجول) الذي ذاع في أصقاع البلاد قبل قرون وما زالت قصتها تتداولها الألسن إلى يومنا هذا، تلك البنت التي بلغت الثلاثين ولم يتقدم لخطبتها أحد بل لم ينتبه لوجودها أحد، ولم تجد طريقة للظهور سوى أن تتبول في بئر ماء القرية على مرأى من بعض الفتيات وما أن فعلت ذلك حتى عمّ خبرها أرجاء المعمورة ووصل صيتها إلى كل مكان، ولكنه صيت مُشين لم يجلب لها الخاطبين بل جلب لها العار الدائم الذي لحقها إلى يومنا هذا، فعل هؤلاء لا يختلف كثيراً عن فعل ابنة الجوال؛ إلا أنهم قد ضربوا عصفورين بحجر واحد، حققوا الظهور الذي يحلمون به، وكسبوا مالاً من شتم الآخرين ومواربة الحقائق وتلفيق الحكايات.

يكتب شاب فلسطيني ليس له شأن في السياسة عن مأساة الشعب السوري المشرد ومعاناة الشعب المذبوح وحين ترى أين نشر مقاله تعرف لماذا يتحدث فلسطيني مُقيم في الضفة الغربية عن سورية، وهو الذي لم يكتب يوماً عن فلسطين وجرحها الأبدي النازف، بل جاء ليوزع صكوك الغفران على إخوان سورية لكسب بعض المال، فالكتابة عن فلسطين وحصار غزة وقصفها لا سوق رائجة لها اليوم بل لا تتعدى كونها بضاعة كاسدة في إعلام يسيطر عليه اليهود برأس مال خليجي.

حقاً إن مصائب قومٍ عند قوم فوائد، إذ أتاح الموت السوري الفرصة لكل من هب ودب أن يمضي في زواريبه وشعابه محاولاً تشخيص الألم.

يناقش متثاقف فلسطيني آخر من قطاع غزة مأساة الشعب السوري، ويناور بين موقع وآخر ممن يدفعون بالعملات الصعبة، (يشتم ويقبض بالدولار)، لتصبح بعد فترة وجيزة ثقافة السب والشتم ديدن أغلب المثقفين المناصرين للشعوب المضطهدة، وكأن مآتم تلك الشعوب لم يكن ينقصها سوى الندابين النواحين الذين يقبضون ثمن كل دمعة يذرفونها عبر وسائل الإعلام.

يتجاهل مثقفو السفسطة الجدد القضية المركزية للمثقف العربي الحقيقي وهي القضية الفلسطينية التي لا يجب أن يشغلهم عنها أي شيء آخر، ليوزعوا طاقتهم بين مأساتين إن شاؤوا لكن يجب أن لا تخضع كتاباتهم للعرض والطلب في سوق الحروف.

بال بعض السفسطائيين الجدد فوق الدم كما فعلت بنت الجوال وكان لهم ما كان، فأمسوا مرتزقة يتسولون الشهرة وبعوضاً يعتاش على الدم، وتتضح رغبتهم في استمرار نزيفه من خلال تحريضهم السادي المستمر على الاقتتال بكل الوسائل المتاحة.

استسهلوا الكتابة كما استسهل غيرهم القتل وجعلوه سلعة يومية متداولة في بورصة الدم السوري المسفوك والتي ترتفع قيمتها وتنزل وفق احتياجات سوق المصالح الدولية، وذلك لا يبرر ولوج بعض الكتبة من السفسطائيين الجدد سوق المضاربات في هذه البورصة، ففي هذا الدخول مواربة وجهل لا تُبررهما نصرة المظلوم لأننا في هذا العالم الذي أصيب بالجنون بحاجة ماسة إلى ثقافة عقلانية بعيداً عن السفسطة.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …