الغرفة شبه مظلمة، مصباح صغير يضيء المكان، يكاد يلف المكان صمتٌ مخيف، تتخلله دقات الساعة وصوت دويّ بعيد، تلتقطه الآذان بقلق.
أم خالد: (بصوت خافت) “هل سمعت ذلك، يا خالد؟”
خالد: (يحاول إظهار القوة) “نعم يا أمي، إنه بعيد… لن يصل إلى هنا.”
تتسلل نظرة حذرة إلى عينيه، لكنه يحاول رسم ابتسامة مطمئنة.
أم خالد: “وإذا اقترب؟ إذا كان دورنا الليلة؟”
يجلس بجانبها، يضع يده على يدها المرتجفة.
خالد: “لن يحدث شيء، سنكون بخير. نحن في بيتنا، هنا سنكون بأمان.”
صمت قصير، تتسارع فيه أنفاسهما مع كل صوت قادم من الخارج.
سارة: (تتسلل إلى حضن أمها) “ماما، هل سيأتون الليلة؟ هل سيأخذوننا؟”
تنظر أم خالد إلى طفلتها، تمسح على شعرها بحنان وتهمس.
أم خالد: “لا، لن يأتي أحد يا صغيرتي، نحن هنا معًا. سنبقى معًا، وستنامين بأمان، أعدك.”
يطرق الباب فجأة، صوت خشب الباب وهو يُطرق يكسر الصمت. يرتجف الجميع، تحدق الأعين نحو الباب بترقب.
أم خالد: (بصوت منخفض) “من هناك؟”
أبو حسن: (من خلف الباب) “أنا، أبو حسن. هل يمكنني الدخول؟”
خالد: (بلهجة مترددة) “أفتح له يا أمي، إنه جارنا.”
تفتح أم خالد الباب ببطء، يدخل أبو حسن بخطوات ثقيلة، وجهه شاحب وكأنه يحمل أخبارًا مؤلمة.
أبو حسن: “أعتذر على الإزعاج، لكن… هناك أخبار سيئة.”
تتسمر العائلة في أماكنهم، تنتظر الكلمات التي ستخرج من فمه، الكلمات التي قد تحمل مصيرًا أو مأساة.
أم خالد: “ما الذي حدث؟”
أبو حسن: (يتنفس بعمق) “القصف الليلة أصاب بيتًا قريبًا… عائلة حسن…”
تغطي أم خالد فمها بيدها، وتغمض عينيها محاولةً حبس دموعها.
خالد: “هل… هل نجوا؟”
أبو حسن: “بعضهم… والبعض الآخر…”
يخيم الصمت على المكان، الجميع يدرك معنى كلماته دون الحاجة للمزيد من الشرح. سارة تلتصق أكثر بأمها، تختبئ من الحقيقة القاسية.
يمر الوقت ببطء، يتجاذب فيه الجميع أطراف الحديث وكأنهم يحاولون إبعاد شبح الموت.
ليلى: (تدخل من الباب الخلفي بخفة) “هل يمكنني البقاء هنا؟ أمي قالت أنني سأكون بأمان معكم.”
أم خالد: “بالطبع، يا عزيزتي. تعالي واجلسي بجانب سارة.”
تجلس ليلى بجوار سارة، تمسك بيدها، تتبادلان نظرات مختلطة بالخوف والتطمين.
ليلى: “هل تعرفين، يا سارة؟ حين كنا صغارًا، كنا نلعب هنا في الشارع، دون أن نخاف من أي شيء. أتذكرين؟”
سارة: (بصوت خافت) “نعم، كنا نجري ونضحك… والآن… الآن لا أستطيع الخروج حتى للنظر إلى النجوم.”
تغمض ليلى عينيها، تتخيل الأيام التي مضت، تنسى لوهلة الأصوات المرعبة في الخارج.
ليلى: “سنعود لنلعب، سنرى النجوم مجددًا. ربما ليس الآن، لكن… قريبًا، ستنتهي هذه الليالي، أليس كذلك؟”
أم خالد: (بصوت يحمل قوة متعبة) “نعم، يا ليلى، ستنتهي. كل ليل يعقبه فجر، وكل خوف سيُقهر يومًا.”
دوي انفجار قريب يهز الجدران. الجميع ينكمشون في أماكنهم، أصوات الصراخ تتعالى من الخارج، يتبادل الجميع النظرات.
أم خالد: (بهمس) “ابقي هنا، يا سارة، يا ليلى. لا تتحركا.”
خالد: (ينهض بسرعة) “سأذهب لأرى ما يحدث.”
أم خالد: “لا، خالد! لا تخرج!”
خالد: (بتحدٍ) “يجب أن أرى، يجب أن أعرف. ربما يحتاج أحد لمساعدة.”
يقف عند الباب، يضع يده على المقبض، ثم يتوقف، ينظر إلى أمه.
خالد: “سأعود، أعدك.”
تبتلع أم خالد ريقها، تُغمض عينيها للحظة، ثم تفتحها.
أم خالد: “كن حذرًا.”
يخرج خالد، يغلق الباب خلفه. تتبادل الأعين في الغرفة نظرات مترقبة، تنتظر عودته بفارغ الصبر.
يمر الوقت ببطء، كل ثانية تبدو وكأنها ساعة، حتى يُفتح الباب مجددًا. يدخل خالد، يتصبب عرقًا، وجهه شاحب.
أم خالد: “ماذا رأيت؟”
خالد: (يهز رأسه) “الدمار في كل مكان… لكن…”
سارة: (تقاطعه، بنبرة متلهفة) “لكن ماذا؟”
خالد: “لكن رأيت رجلاً… رجلًا يساعد الناس، يأخذهم إلى مكان آمن. كان يقول للجميع: ’ابقوا أقوياء، سننجو”
أم خالد: “من يكون؟”
خالد: (يبتسم بخفة) “لا أعرف، لكنه كان يشع بالأمل، وكأنه شعاع في هذا الظلام. شعرت للحظة أن… هناك أمل، رغم كل شيء.”
يصمت الجميع، وكأنهم يحاولون التقاط هذا الأمل الخفيف في الهواء.
الصباح يبدأ بالطلوع، الأفق يتلون بألوان الفجر، تتسلل أشعة الشمس الأولى إلى الغرفة، تحمل معها بعضًا من الدفء.
أم خالد: “انظروا… إنه الصباح”
ليلى: “لقد انتهى الليل”
أبو حسن: (يغمغم بهدوء) “انتهى، لكن سيأتي ليل آخر”
تتطلع أم خالد إلى الأفق، ثم تهمس.
أم خالد: “نعم، سيأتي، لكننا سنكون مستعدين. سنظل نواجه، وسنظل ننتظر الفجر”
يمسك الجميع بأيدي بعضهم البعض، عيونهم تحمل تعبًا وألمًا، لكن في أعماقها يتلألأ بصيص من العزم والإصرار.
أم خالد: “طالما نحن معًا… سنصمد”
مجلة قلم رصاص الثقافية