الرئيسية » نقار الخشب » من سرق الفيلم العربي من مدينتي؟

من سرق الفيلم العربي من مدينتي؟

تعود بي الذاكرة هذه الأيام مع إقبالي على إعادة مشاهدة أفلام مصرية الى يوم أن شاهدت فيلم “مرزوقة “بقاعة السينما ريفولي بسكيكدة وقد ترك بداخلي ذكريات مزجت بنوسطالجيا عن الفيلم العربي وشعبيته في الجزائر في العقود التي تلت الاستقلال. ذكرى تتشكل بمخيلتي فقررت مشاركتها بما تتضمنه من إسقاطات ومقاسات ثقافية من الثقافة السينمائية العربية والإقبال التاريخي عليها في الجزائر برغم ما يقال في السنوات الأخيرة عن انحسار هذا الفيلم العربي عندنا.

كان الزمن أواخر الثمانينات عندما كنا نحن القرويين الذين نسكن الضواحي ونقصد المدينة في نهاية كل أسبوع من أجل مشاهدة الأفلام التي كانت تعرض في قاعات السينما الستة المنتشرة بالمدينة اشهرها ” قاعة ريفولي ” و” قاعة ليدان” و”قاعة لومبير” و”قاعة ريالطو” وفي الأخيرة أتذكر أنني وقفت في صف انتظار الوصول إلى بائع التذكار وكانوا وقتها يفصلون بين الأطفال و الكبار في السنة في صفين متوازنين وعندما تقتطع التذكرة تدخل مباشرة الى هول القاعة المغلقة الأبواب الفخمة ولا تفتح إلا عندنا يرن الجرس الأول للعرض والذي يأذن بفتح الأبواب لكي يجلس المتفرجين في مقاعدهم قبل الجرس الثاني الذي يعني بداية العرض وقبله يمكنك شراء مشروبات أو كاكاو او سجائر.

لقد كان فيلم ” مرزوقة” الذي أصف لأجله السكيكديين من هواة السينما العربية في ذاك اليوم فقد كانت هذه ” القاعة ريالطو “شبه متخصصة في عروض الأفلام المصرية والهندية بحصرية بينما كانت بقية القاعات الأخرى لعروض الأفلام الأمريكية والأوروبية. فكانت المادة السينمائية الفيلمية المقدمة كل نهاية أسبوع ثرية سينمائيا ومتنوعة ثقافيا وكانت جزء من ثقافة المدينة المكلة على وسائد البحر الأبيض المتوسط وقد زال كل ذلك الان ليحل الفقر السينمائي والثقافي في مدينتي.

وأتذكر لكم كانت القاعة عامرة بهواة الأفلام العربية المصرية وكم كان الفيلم رائعا وقد تقاسمه فريد شوقي و فاروق الفيشاوي وبوسي عن قصة البخيل لموليير، في تقارب ملفت. وتلك كانت أيام يبدو لي صعب تذكرها ومستخيل اعادتها للأجيال الجديدة رغم ان القاعات الستة ما تزال لكنها مغلقة ومهملة وأشياء أخرى لأن السينما السهلة الممتعة.

قد دمرت في مدينتي وفي الذاكرة ودمرت في واقعي فلم تعد تلك القاعات بالمدينة تشتغل، ولم يعد الفيلم المصري العربي يصل إلينا ولم يعد هواة الأفلام كثر بما يكفي أن يملأ قاعة كالتي عرض فيها فيلم “مرزوقة” أذكركم كان اسمها “ريالطو”، وهي لا تتجاوز المئتين مقعد لكنها كانت تتجاوز جميع أحلام جيلي.

إنها نوستالجيا وحنين تعيدني على أجنحة الخيال والذكريات لتلك الأيام الخوالي وحنين الفيلم العربي المصري وهو نفسه حنين عن سينما عربية وعن هواة الأفلام العربية و عن القاعات العامرة عن بكرة أبيها لأجل الفيلم العربي.
كنا ربما صغارا في السن لكننا كنا كبارا في الحلم والانتظار وقد كانت السينما النافذة الوحيدة لذاك الحلم لكي نحلق في سماوات الممكن و الخيال وقد ماتت هي الأخرى.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن يسين بوغازي

يسين بوغازي
شاعر وكاتب وصحفي جزائري، يكتب في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الجزائرية والعربية، صدر له كتاب توثيقي حول أغنية الراي الجزائرية (الراي..الأغنية الجريحة شجن الهامش).

شاهد أيضاً

“السينما والتسامح” مهرجان تونس الدولي للفيلم الوثائقي

تنطلق الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي والدولي يوم الخامس عشر من الشهر الجاري ويستمر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *