الرئيسية » ممحاة » تحقير المنجز

تحقير المنجز

ألغت عصابات الثقافة في سورية كل الأصوات التي رفضت الأدلجة والرضوخ لذهنية العمل الرسمي، ورغم فشلها لم تكن تلك الآلية تنتج إلا القليل من المنجزات الثقافية، فتمويلها الكبير من خزينة الدولة والتصرف هنا لمن صفحتهم ناصعة لدى الأجهزة المكلفة بتعيين (الرفاق)، بالمقابل لم تترك للعمل الأهلي المستقل فرصة تجريب الدخول إلى الحياة الإجتماعية، وبالتالي جذب من لديهم الرغبة في التعاون المشترك لتغيير ملامح الثقافة، سواءً بالملتقيات أو ورش الثقافة أو التظاهرات الفنية الإبداعية على مستوى المدن رغم تعقيد الظروف الأمنية وبعيداً عن الصبغة الرسمية.

ولو سمح بجدية لبعض الأنشطة، الفعاليات، التظاهرات، الثقافية سواء بشكلها الإلكتروني أو المطبوع أو الأهلي الجماعي على أرض الواقع، لكانت كشفت للناس خبايا البنية الفكرية لتلقي الحالات الثقافية، فالسائد بين مؤسسات المجتمع أن الثقافة هي الدرك الأسفل للعاطلين عن العمل والمشغولين بالقراءة والتصعلك واصطياد الألقاب، هذا ما سوقته المناطق المغلقة التي فرضتها السلطة على المثقف السوري، فبقي حبيس الفضاءات الإفتراضية أحياناً، وأحياناً أخرى حبيس المنابر التي لا تديرها جذور السلطة أو تباعيتها السرية.

رغم ذلك، ظهر المجتمع الأهلي وحيداً في دوامة الدم السوري، وبقيت أفكار شبابه وصنّاعه تعمل بصمت وتنتج كتباً وظواهراً تنموية ثقافية، ولقاءات ربما كان ينقصها إدارة ذكية لنشر الثقافة شعراً ورواية وقصصاً وسينما ومسرح ومعارض فنية وورش تبادل خبرات.. إلخ، لكن الواقفين في الصفوف الخلفية لم يرق لهم مشهد فضح ترهل المؤسسة الثقافية الرسمية من الوزارة إلى مديرياتها ومراكزها وما يتبع لها، فأطلقت إعلامها لتحقير عمل هؤلاء، ودفع البعض منها لترعها أحزاب معارضة وغير معارضة حتى يقال أن ثمة تنوع في (الثقافة الجديد) أي ما بعد الصمود!!

على أي منجز تعول السلطة، هل إطلاق جوائز تقديرية وتشجيعية يقابل نهوض العمل الأهلي الذي لا يملك التكلفة تلك، بل المصداقية والتحرر من براثن العقائد الحزبية؟ لعلها تسعى لتنبيه الناس أن من لا يشرب الحليب يضعه البعبع في بيت الفئران! إنها لاتزال، أي السلطة، تفكر بذات المنهجية البالية التي دمرت البلاد بتعتيمها على الحقائق وتذييلها للثقافة برؤوس متنفذة وتعمل لنرجسيتها ثم أول ما تفعله بعد الإقالة الجبرية بسبب الفساد هو البصاق في صحن الدولة الذي أكلت منه مثل وزير ثقافة متغطرس قبل الأحداث في سورية أصبح اليوم مناضلاً.

كاتب سوري  | خاص موقع قلم رصاص

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …