الرئيسية » رصاص حي » لحظة الشعر في شكلها: هكذا يختلفون!

لحظة الشعر في شكلها: هكذا يختلفون!

أحمد محمد السح | تقوم التجارب الشعريّة المعاصرة التي يتدفق ظهورها، المطبوع أو الإلكتروني، باعتماد معايير مغايرة للتجارب التي شكّلت وثباتٍ في عالم القصيدة. فمنذ بدء التنظير للقصيدة الحداثويّة أو قصيدة ما بعد  الحداثة، ظهرت معايير تقيميّة بهدف تأطير الدفق الشعري، وتحديد مسار نهري لهُ، يوجب عليه المنبع والمصب. لكن هذا الدفق استمر بالفيض خارج المجرى المحدد، ليهدم الأطر المُحدِدة، وتستمر عمليّات البحث من قبل النُقّاد، للإحاطة بالنص المعاصر.

لكن النظرة العامة، وربما الشموليّة التي تواكب القصائد التي بدأت تنطلق في الألفيّة الجديدة، ترى من القصيدة حالة متفرّدة، تمسّ صاحب القصيدة بحدّ ذاته، سواء أكان شاعراً بخطوة أو بنصف خطوة، فانتفى اهتمام الشعراء المنطلقين بشكل شبه كامل، بقضايا تمسّ التفعيلة، أو التلاعب بأنغامها، وموسيقاها، أو محاولات المزج بينها بهدف الوصول إلى موسيقا جديدة توائم بين روح الشاعر، وجذور موسيقا القصيدة الخليليّة. فلقد اتكأ الشعراء على التجارب الناجحة التي ساهم بها شعراء قصيدة النثر، ولكنهم تملّصوا حتى من التسميات، ولجأوا إلى محاولاتٍ كاسرةٍ للقوالب، تفيض بدفقٍ من المشاعر، والالتقاطات الصوريّة، بغض النظر عن قدرة المتلقي على مشاركتها مع الشاعر أم لا!.

بل إن المغالاة وصلت بالشعراء إلى مرحلة تجعل منهم، يذهبون إلى قوالب شعريّة، هي أكثر صرامة من القوالب الخليليّة ليلبسوها للقصيدة المكتوبة بالحرف العربي، مثل شعر “الهايكو”، الذي انتشرت محاولاتٍ لتقليده، واعتباره نموذجاً شعريّاً يُحتذى، يجلب معه الحداثة، في حين أن النموذج الخليلي يجلب معه الردّة إلى التخلف. هذه المشاعر والانفعالات، ليس الخاطئ فيها سوى أنها تريد أن تلبس (جانين الفرنسيّة رداء ميّة الصحراوي ( على رأي نزار قباني، وبتدوير للمقاربة يصبح الخاطئ إلباس ثوب ابنة الشرق لباس ابنة الشرق الأقصى!. كما أنه انتشرت ظاهرة القصيدة “الومضة” التي اعتمدت على تصوير، يعتبره صاحب القصيدة أنه كافٍ لرصد حالة شعوريّة، مكثّفة، دون الإفاضة بالشرح، والتنغيم، لتوزيع هذه الحالة، مع العلم أن هذه التجارب وُجِدتْ عند الشعراء في مرحلة الحداثة، كما في ديوان “أدونيس”، “أوراق في الريح”، الذي اعتمد الومضة الشعريّة، دون أن يسمّيها حتى. وحتى “نزار قباني” فقد أورد حالاتٍ شعريّةٍ على شكل دفقاتٍ في مجموعته: “لا غالب إلا الحبّ”، وهذا غيضٌ من فيض، جادت به التجربة الشعريّة.

النموذج الثالث، الذي اعتُبِر معياراً لصياغة النصّ الشعريّ، هو اعتماد الترجمة في استقاء المعرفة الشعريّة، متجاهلين فكرة أن (الشعر المُترجم ينقصه الشعر)، كما يقول “ممدوح عدوان”، وأن الهدف من نقل الشعر من لغة إلى لغة، يعتمد رصد البيئة، ومنهجيّة التفكير التي يعتمدها شعراء كلّ بيئة على حدة، وما محاولاتُ اعتماد لغة “بودلير” أو “فولتير” أو “رامبو” أو “ت.س. إليوت” وغيرها، إلا محاولاتٍ اقتباسيّة، مقطوعة الأوصال، عن التسلسل النهجي للقصيدة في الشرق. وإن بدا المصطلح اتكائيّاً؛ إلا أنه لا يحرم الشاعر حلاوة التجربة والقفز، لا بل يجعل قفزته أوسع، في حال عرف الأرض والماء والهواء والنار، عناصر التكوين الشعريّ لقصيدته، لكي لا تكون رصاصةً في فراغ.  

شاعر سوري | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

“الطريق إلى المرمى” مجموعة قصصية للكاتب هاني الصبيحي

صدرت عن دار الخليج للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان مجموعة قصصية للكاتب الأردني هاني …