الرئيسية » رصاص ناعم » نارين ديركي في «نارنج»: راعية خِراف الشّعر في الجبال العالية

نارين ديركي في «نارنج»: راعية خِراف الشّعر في الجبال العالية

دمشق ـ مناهل السهوي |

عبر مئة وأربعة عشر نصاً شعرياً تقدم نارين ديركي مجموعتها الأولى (نارنج _دار التكوين دمشق 2016)، ربما يبدو تعدد النصوص كثيراً، لكن منذ النص الأول سوف تفتح الشاعرة أبوابها الواسعة للجري والقفز وملاحقة الصور. 

يشعر قارئ هذه المجموعة كأنه يتناول فاكهة طازجة من حديقة المنزل، صور مأخوذة من شقوق المنازل الطفولية، من سطوح الليالي المقمرة في حوار بين المرأة وأشكالها الكثيرة في العالم، عاكسة اتصالها المتين بطفولة خضراء، تكتب صورها وكأنها تلمس الأشياء للمرة الأولى بدهشة طفلة لتُشعِر القارئ كأنه شريك في خلق القصيدة:

“اللوتسة الزرقاء..

من كان أولى بعطرها،

أكثر من غزال…

شمّها،

فنسي أنه جائع”

نارين التي فهمت الحالة الشعريّة العالية للأنثى والكنوز الخام للنفس الإنسانية ربما ترجمته في قصائدها واشتغلت بحرص شديد على الصدى الأنثوي في مفرداتها، في رشاقة عباراتها وحتى في غزارة نصوصها القصيرة. قصائد تشرّبت الرغبة والشبق والخلق بطريقة مواربة ومكتملة:

“الندبة التي أسفل ركبتي

تذكرني بغرورك

بعبث الجبال

بعشبة الحليب التي نُريق بياضها على أصابعنا

ونتذوق حلاوتها

عاجزين عن فهمها..

كانت مثل كل الإناث: نؤلمها فتعطينا”

تركت الشاعرة دمشق دون أن يتسنى لها توقيع مجموعتها الأولى، تتسلل الحرب إلى نصوصها بخفة وألم، كأنها طفلة تمدّ رأسها من خلف الباب لتراقب المارّة.

نارين لم تواجه الحرب وجهاً لوجه، إنما فرشت أمامها طفولة واسعة وأمومة متوهجة وكأنها تقود الموت من يده لتعرّفه على الحياة وهذا ما نلاحظه من خلال بساطة ألفاظها وغزارتها في الوقت ذاته، فهي تَصُفُّ الكلمات اليومية والبسيطة لتقحمك في نصّ لا مهرب منه أشبه بحالة وجودية طارئة:

“أفلا تدركين، وأنت السماء

أن أطفالاً  لنا

يضعون أحلامهم المؤجلة كل ليلة

في أكياس المساعدات

وينامون عليها كخراف قرية منسية”

الذاكرة الجبلية للشاعرة تبدو واضحة، فبناء القصائد شبيه تسلق جبل لتصل القمة وتتمكن من رؤية المشهد كاملاً، محاولةً في كلّ مرة الخروج من جسدها الإنساني لتلتحم بإحدى أشكال الطبيعة، ليس من باب الرومانسية إنما تجسيداً لانتمائها لأشكال الخلق المتعددة :

“هذه الأرض: أمي

وتلك الخراف: إخوتي

وأنا،

أسفل الصورة: ذلك العشب السعيد..”

قدرة فطرية تمتلكها راعية خراف القصائد تلك، تتحكم بسياق النص وانسيابه كأنها تتبع حركة الأنهار وهي تمشي أمام خرافها لتستريح في نهاية نصوصها تحت ظل وحشتها لتعيد تدوير أحلامها ومخاوفها وأحزانها، تعرف تماماً طرق الجبال الوعرة وحقول القصيدة الخصبة، هذه المعرفة العميقة لحقيقتها الإنسانية جعلت من النصوص أشخاصاً يمشون ويتكلمون ويتألمون:

“ارسم شبابيك مدينتي إن كنت تحبني

لونها إن كنت تراني

لون شباكي بالأزرق

إن كنت عرفت مكاني

وأخيراً

إن جعلك الحب قادراً على كل شيء

فقط: صف أحزاني”

خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …