نسرين الخوري |
نقاءُ الصمت ودفءُ الضّوء وأسرارٌ كثيرة تبوحُ بها لوحةٌ معلّقةٌ على جدارٍمحدود, تفاجئكَ بسحرها المشرّعِ على المدى, تحيطكَ بهالةٍ من غيمِ الدّهشة, ترفعكَ لمصافِ الملائكة, حيث يتملّكك شعور الحبّ والحنان لتُقبّلَ كلّ وجهٍ في اللوحة وتضمّه بين يديك, ملهوفاً لقطفِ أسرار ِهذا الوجهِ الأنثويّ العميق, الذي يطوي في تفاصيله صورَ الطبيعةِ الإلهية فينا, ويغوي في النفس عشقَ لحظةِ الحياةِ المختبئةِ وراءها.
من المؤكّدِ أنّي لستُ بصدد نقدٍ فنيّ لأعمال جبران هداية, ولكنّني أسرد أثر جلساتٍ خاصةٍ مع نساءِ لوحاته الصديقات, حيث يطلعنكَ بصمتهنّ الآسرِ على كثيرٍ من حكايا الشجن, على كثيرٍ من الكلماتِ الصّارخة خلف شفاهٍ صامتة تعيش الحقيقة وترفضُ سحرَ ابتسامةٍ مفتعل, يطلعنك على كتيرٍ من الإثارةِ والترقّب لسكونِ اليد و التفاتةِ الوجه, لانضمام جسدين في موقفٍ إنسانيّ حميم, يدفعنكَ لترقصَ كمولويٍّ أمام تخريمٍ يضيءُ مزهريّةَ زنابقٍ تفوحُ برائحةِ ملهمةٍ خلفها ..
وأراني أتنقّلُ بين اللوحاتِ مراراً كمن يلتقطُ مجموعةَ صورٍ عزيزة, يجمعها ويصلُ بين خطوطها, فيرسم وطناً كاملاً بتفاصيله الموجوعة بألم اللّحظة وألم الحدث.
وطنٌ يحاولُ خالقهُ أن يُستبعدَ منه ألوانَ الدّم ورائحة الأسلحة, نهاراته ألوانٌ حقيقيةٌ رسمتها يدُ الطبيعةِ بالضوءِ القديم قدمَ الأرض, ورائحتُها رائحةُ الترابِ المندّى بعطرِ البشر الحقيقيين .
جبران هداية فنانٌ يحملُ مصباحه المنير في كلّ مدينةٍ من مدنِ وطنه ,في كلّ لوحةٍ من لوحاتِ مرسمه, و يهتفُ بأملٍ صريحٍ لصباحٍ جديدٍ موعود, كما الحكاياتُ القديمة التي ينالُ طولُ الصّبرِ فيها نهايةً سعيدة.
خاص موقع قلم رصاص