آخر المقالات
الرئيسية » ممحاة » مثقف بالعتاد الكامل!

مثقف بالعتاد الكامل!

يثير الإستغراب هذا الإنسياق القطيعي الذي يمارسه المثقف خلف الحذاء العسكري، فصاحب الدواوين الشعرية والرواية والمجموعة القصصية الذي كان على سجال كبير مع زملاء الكار حول أهمية فصل السلطات والتفريق بين الحياة المدنية السياسية والثقافية والحياة العسكرية، تراه اليوم يسقط تدريجياً إلى هاوية التدجين الإجتماعي الذي تشتغل عليه معظم الأنطمة السياسية العربية منذ عقود، ليصبح المضمون المعرفي لهذا المثقف منطلقاً من عنجهية الطغيان والقول بأمر الحاكم لا بأمر الحقيقة.

من هنا تبدأ مشكلة العمل الثقافي المؤسساتي الذي أعدم في سورية مثلاً، فأصبحت الأنشطة و الإنجازات المتواضعة تسجل بأسماء الأشخاص، وترفع للقيادة من أجل الترقية لمناصب أخرى، وهكذا، لتبقى المؤسسة عجوزاً بخططها المتخلفة! قد تنشط في ورشة ما أو تظاهرة موسمية، ثم لتنام سنوات أخرى، وكل ذلك برعاية (المثقف) ذاك الذي كان يدافع فيما مضى عن العمل الثقافي بكل تصنيفاته الفكرية والتنويرية والحضارية، ولكن على طريقته، إذ كان يكتب من أجل أن يرضى هذا المدير أو ذاك الوزير، فيمرر مشروعه (الإبداعي) فردياً على حساب تكاسل النقد في كشف فشل هذه المؤسسة أو تلك الهيئة الثقافية..!

منذ أيام ضج العالم بحركة إنقلابية ضد الحكم في تركيا، لم يكتب لها النجاح، وكان الشعب المدني، المثقف، الواعي سياسياً هو الحكم، هو سيد السلطة وصانعها، بينما في ضفة مقابلة استشرس مثقفون وفنانون وإعلاميون من سورية ومصر ولبنان وتونس والعراق.. وراحوا ينادون بإنكسار إرادة الشعب أمام السلاح و (البوط العسكري) إياه الذي أوصل سورية إلى جحيم الصراع والفلتان الأمني والإجتماعي.

لقد عكس جزء كبير من المثقفين في سورية، على إختلاف الإنتماء والعقيدة حالة مأساوية من طرح البديل السياسي لأي عملية تغيير، فكانت قوة السلاح حلهم الإنتقامي، بغض النظر عن الأراء في النظام الحالي في تركيا، إلا أن ما أوحى به هؤلاء هو ذهنية باطنة تُفاضل بين الثقافة المدنية، العمل المدني الإجتماعي، و بين استثمار قوة السلاح وأهله لفرض ثقافة عنفية سوف تجر إنقلابات أخرى قد تضع القانون والدستور في درك مخازن الجثث التي سوف تسقط فيما لو وصلت تلك القوة لمبتغاها.

لم يرث الناس في بلادنا إلا العتاد لقتل الآخر، تناوله على إختلاف مشاربه ورأيه، إن خالف قتل، قد لا يكون بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن بأشكال كثيرة، على الورق.. في النت.. على الشاشة في السمعة.. حظر على صفحات التواصل للأخوة والأصدقاء فيما بينهم، شتيمة غير مباشرة تنتظر رداً لتقوم الحرب الإلكترونية بين رأي وآخر مختلف عنه، ولا ثقافة نعمل عليها بجدية بعيداً عن السلطان وأجهزته القذرة التي لا هدف لديها إلا إشغالنا بكتابة تقارير أمنية ودق أعناق بعضنا حتى يظهر حكيم الزمان السياسي، ويهدّأ بيننا، نحن الذين لا سلاح لدينا إلا الكلمة، ليستخدمها ضدنا ويصالحنا تحت رحمة (البوط العسكري)!

مدير تحرير موقع قلم رصاص

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …