الرئيسية » رصاص ناعم » أصغر روائية فلسطينية: فقدت ذاكرتها طيلة اثنان وخمسون يوماً

أصغر روائية فلسطينية: فقدت ذاكرتها طيلة اثنان وخمسون يوماً

فؤاد ديب |

في رواية حرائق مدينة آثمة يخرج الفلسطيني من سواد حرب مقدسة كي ينتعل طريقه و يدخل حرباً أخرى، هو الفلسطيني الذي احترق ثوبه و كلما حاول أن يطفئه توهجت النار كي تأكل ملامحه الداخلية و تشوه مرآة الناظرين إلى انعكاس خيبتهم و تكسرهم إلى أبد أخر . 

سماح حسنين روائية فلسطينية من غزة حاولت أن تغسل إثم مدينة، فأحرقتها بنار الكلمات، موقع قلم رصاص اتصل بالكاتبة الشابة المتواجدة في فلسطين حالياً وكان الحوار الآتي: 

* كما هي غزة محاصرة تنفست روايتك حصارها الخاص فلم تستطيعي أن تمسكي أول  نسخة وهي تخرج من فوهة المطبعة، فهل تغلبتِ على شعور حصارك الخاص بعد خوضها البوكر و أنتِ لم تستطيعي لمس أوراقها؟ 

لا يمكن للحرب أن تكون مقدسة، الحروب المتكررة و الملتصقة باسم الفلسطيني  وجسده أينما كان و أينما ذهب علمتهُ وحده امكانية تحويل كل ما هو مترتب عليها إلى شيء مقدس، الأرض مثلا، الشهداء، الحبّ كما في المدينة الآثمة، و الأدب بشكل عام. 

عودة إلى السؤال فأنا إلى الآن لم أتغلب على هذا الشعور المتعب ولم أتخطاه، لا زلتُ أعاني من حصارٍ مُضاعف، و لك أن تعد “حصار الوطن بأكمله، حصار المدينة الآثمة بطريقة أضيق، ثم الحصار النابع من احساسنا الشخصي و المُغلف بالفقدان و أشياء أخرى” أحياناً أشد أذن الفكرة التي دفعتني إلى تحريرها و طباعتها خارج غزة حين يغلبني الحنين، لكنني أعود مرة أخرى و أردد “إنها للعالم، أو بالتحديد للإنسان، الإنسان الموجود على هذا الكوكب، الذي يقهره كل ما يحدث لنا، و تؤلم قلبه جملة مختصرة عنا، هنا، تقول بأننا لا زلنا في وطنٍ محتل”. 

*  البيوت الخالية الصامتة على أطراف الحريق كيف استطاع سكانها اختيار موتهم بكل هذا الجلد؟ 

أجمل ما في الحياة هو أن يكون الإنسان حراً في اختياره، لكن الأمر هنا في قطاع غزة مُغاير و مختلف حين تكون الحياة أصلاً مُغايرة و مختلفة. عندما يُجبر الفلسطيني على السير في طريق الحروب عليه أن يختار هو لا عدوه، هذا ما حدث في تفاصيل حرائق مدينة آثمة، الاختيار كان مؤلم وحارق أكثر من كونه حر، لأنني كفلسطينية لا يمكن أن أتصور، كما لا يمكن أن يتصور أي عاقل أننا سنترك عدونا ينتصر علينا في اختيار حقنا في الحياة أو حقنا في الموت. اليد أداة تنفيذ فقط، القرارات المرتبطة بالموت في سبيل الدفاع عن الأرض و الحرية منبتها الإيمان بالفكرة أولاً، الإيمان القادم من العقل و القلب معاً، لكنني أرغب في تأكيد أننا نحب الحياة أكثر، حتى الذين ذهبوا و غابوا، كانوا يحبون الحياة أكثر. 

* سمات المجتمع الغزاوي قاسية، لكنك بجملك وصفتِ حريق أبطالك من الداخل، فهل كان الكي آخر الوجع في صفات سلام بطلة روايتكِ؟ 

لم يكن وجعي وحدي أو وجع سلام وحدها، كان وجع كل الفلسطينيات اللواتي فقدنّ طيلة هذه الحروب الطويلة جزءً عزيزاً منهن / عليهنّ، سلام فقدت ذاكرتها و هذا باختصار ما كنا نتمناهُ جميعا طيلة اثنين و خمسون يوماً من الموت و الدم و النزوح و أصوات القنابل و الصواريخ و الانفجارات و … لكنها ظلت متمسكة بحقها في الوجود و الحب و الانتماء و الثبات، سلام خُلقت قطعة قطعة من كل فلسطيني ناقم و مقهور و مظلوم، من كل فلسطيني خانته السياسة و العبارات و الشعارات ووجد نفسه منتصف الحرب يُقتل بمُكرٍ، أو يلهث خلف أزرق وكالة الغوث يشهقُ فقط ما خبأه الانتظار من مفاجآت.رواية حرائق مدينة آثمة - موقع قلم رصاص

*  يُغني حريق المدينة الآثمة للنار كي تهجع، فلم تعد النار ملاذاً لأكف الصغار و لا نار شمعة في جلسة عاشقين، فكيف وازنتِ بين الحريق و الضوء؟ 

في المدن الحزينة المعلقة من رقبتها بإثمها مثل غزة، لا سبيل لموازنة  الغريب من الأشياء و شرعنته إلا بالحب و الموسيقى، الحريق لم يكن محتملاً، لكن الضوء كان أقوى و أكبر.

أنبش الآن الذاكرة على ما تم دفنه بعد الحرب، و لا أرى إلا ضوءً يبرق من عيون النازحين، المصابين، الشهداء… أراه بين منزلين لا يصلهما ببعضهما غير الركام، أو في مشهدٍ يقفز مرتعشاً من جيب طفلٍ يغمزُ للحلم بعينيه الاثنتين قبل أن ينام. الفكرة وحدها من تقدر على حمل كل هذا الجمال المشوه بسبب انتحارٍ مستمر تقترب منه المدينة كل فترة قبل أن يشدها عاشق مجنون، يؤجل موتها قليلاً . 

شاعر وصحفي فلسطيني ـ ألمانيا | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …