منير عباس |
-1-
– ماذا تفعل أيها الكلب؟
– أحرس قطيعك يا مولاي.
– ومن يحرسني أنا؟
– إن كان قطيعك بخير، فأنت بخير يا مولاي.
– بل إن كنت أنا بخير فقطيعي بخير.
– هل تخشى شيئاً يا مولاي؟
– أخشى الجميع ولا أثق بأحد.
– وبِمَ تأمرني مولاي؟
– راقب الراعي.
-2-
– ماذا تفعل أيها الراعي؟
– أرعى قطيعك يا مولاي.
– ومن يرعاني أنا؟
– لديك خدمك الخاص يا مولاي.
– هؤلاء لحاجاتي الخاصة.
– وكيف أرعاك يا مولاي؟
– راقب القطيع.
– يراقبه الكلبُ يا مولاي.
– إذاً راقب الكلب.
-3-
– وأنت أيها الحمار ماذا تفعل؟
– أحمل الراعي إلى المرعى.
– ألا يتذمر منك؟
– يفعل ولكن لا أرى ضيراً في ذلك يا مولاي.
– بل الضير أنه يتذمر من حماري.
-4-
أدرك الثعلب بمكره هواجس الملك… فهرع إليه… إلى أن بلغه فألقى بين يديه موجاتٍ من النحيب وسيولاً من الدموع… وقصَّ عليه حلماً زعم أنه رآه ليلة أمس:
– أنت في خطر يا مولاي… فقد رأيت القطيع بقيادة الراعي يطوق قصرك من كل اتجاه يتقدمهم كلبك وقد شحذ نابه… وحمارك وقد أشهر حوافره… وآخرين وآخرين من خواصِّك… وكنت تستغيث يا مولاي… ولم يُغثْكَ أحد سواي…إلا أني لم أفلح في ردعهم… وما من سلاح معي ولا سلطةَ لي.
– معك حق أيها الصديق الوفي فقد شعرت بأنهم يحيكون أمراً ضدِّي ولكن ما العمل أيها الصديق؟ انصحني فأنت ذو فكرٍ سديد ورأيٍ رشيد.
– الأمر بسيط يا مولاي.
– وكيف ؟
– تدعوهم لمبارزتك في لعبة الشطرنج، وتبدأ بأشدِّهم خطراً.
– ولم المبارزة بالشطرنج دون سواه؟
– لأنك – وأستميحك عذراً يا مولاي – لا تجيد القتال خارج رقعة الشطرنج.
– معك حق ولنبدأ بالراعي.
– 5-
طلب الملك من الراعي أن يبدأ بتثبيت القطع، فابتدأ بتنصيب الملك في مكانه المخصص له في رقعة الشطرنج.
فقال له الملك :
– لا ينصب الملك إلا الله، فهل تدَّعي الربوبية أيها الراعي؟
ثم أومأَ للثور فقتله.
-6-
تقدم الكلب محاولاً الإفادة من خطأ الرعي فابتدأ بتنصيب الوزير فقال الملك:
– الوزير ينصبه الملك… ولا ملك في هذه الغابة سواي.
ثم أعطى الإشارة للثور فقتله.
-7-
تقدم الحمار وقد قال لنفسه:
– كم كنتما غبيين يا صاحبيَّ… أما أنا فلن أثير غضب الملك باستعراض أسلحةٍ تستفزُّهُ.
وابتدأ اللعب ببيدق فقط.
فانتفض الملك قائلاً للثور:
– اقتله دون رحمة… فهذا الحمار المغرور يظن نفسه قادراً على قهر جيوشي جميعاً بمجرد بيدق.
-8-
اختار القطيع ثمانية منهم وتقدموا ليأخذوا أماكنهم في خانات البيادق في رقعة الشطرنج.
وما إن فعلوا حتى هرع الملك ليختبىء خلف الثور قائلاً بصوت مرتجف بالكاد سمعه الثور:
هذا القطيع قدَّم فرقة انتحارية لاغتيالي، فاقتل القطيع بأكمله ولا تبقي على أحد.
-9-
وبعد أن أباد الثورُ القطيعَ كلَّهُ، نظر الملك فلم يجد سوى الثعلب الذي كان يتلذذ بلحوم الجثث المتناثرة هنا وهناك والثور الذي ينتظر ضحيَّة جديدة.
دعا الملك الثور للمبارزة فأجابه:
– لم أعد أصلح لهذا يا مولاي ، فقد أدمنت القتل ولن أصلحَ لغيره.
– ولكن لم يبق أحد كي تقتله.
– بل بقيت أنت.
ثم انقض عليه فأرداه قتيلاً ونادى الثعلب قائلاً:
– هيا نبحث عن عملٍ لدى ملك آخر …
أجابه الثعلب الذي كان منهمكاً بتخزين الجثث في وكره.
– اسبقني وسألحق بك عندما تنفذُ مؤونتي.
كاتب وقاص سوري | خاص موقع قلم رصاص