الرئيسية » مبراة » ماذا ترى في فيسبوك الثقافة؟

ماذا ترى في فيسبوك الثقافة؟

لو يحصل ويسألني مستر “مارك” ماذا ترى في فيسبوك الثقافة أيها المستخدم؟

حتماً لن أتلعثم وتتوه عني الأفكار لأني أعرف جيداً بماذا سأجيبه، كيف لا وأنا الذي أشعر دائماً أن هذا العالم الأزرق سيجلب لي احتشاءً مُبكراً ينهي حياتي، لأني يا صديقي “مارك” حين أرى مثالية بعض من أعرفهم شخصياً وهي تطفح من بوستاتهم، وإنسانيتهم المُفرطة وقلوبهم الرهيفة وأخلاقهم العالية أشعر بالشفقة على القطيع الذي يُعلق ويعجب بدموع التماسيح التي يذرفونها فيسبوكياً، وكم أود أن أصرخ ملء حنجرتي كفى أيها الكاذبون المنافقون، ولكن من سيسمع رجع الصدى، إن كان الكاذبون من النخبة أصبحوا ضعف الكاذبين من العوّام، والقطعان تتوالد وتتكاثر بالآلاف في كل يوم.

أرى شاعراً خمسينياً متصابياً يراود مراهقة عن نفسها ويلهث خلف بوستاتها كبدوي يقتفي أثر قافلة الأرداف في صحراء هذا الفضاء الأزرق، وكاتب ستيني يتناول حبة زرقاء كي يستطيع كسر “البروكسي” وخوض محادثة فلسفية يغفو فوق “اللابتوب” قبل أن ينهيها ويترك في الطرف الآخر أفعى تتلوى على سرير غواية الكلمات، كي ترسل له ما تبقى في جيوبها من “فراطة” يعتاش منها عبر “الوينستون”، حسب قوله.

وأرى صحفياً مبتدئاً يلطش العناوين والأفكار ويهرب بها بعيداً إلى حيث لا يراه أحد سوى أفراد قطيعه الافتراضي الذين يضغطون اللايك ويمضون دون أن يقرأوا ويفهموا ويبحثوا عن مصدر موثوق للمعلومة، وأديبة شبه متزوجة لا تعرف من الأدب إلا اسمه ولا ينطفئ ضوء حضورها الأخضر طوال الليل وأكاد أسمع لهاثها يعبر “المسنجر” فيولد في الطرف الآخر كُتباً وروايات ودواوين شعر ما أنزل “مارك” بها من سلطان، حتى زميل السكن الذي كنا نخجل من مرافقته لنا إلى المقاهي والحانات لدناءة نفسه ونتجنب محادثته أو الجلوس معه لبجاحته وعدم لباقته، أصبح لا ينام قبل أن يضع في جيبه ألفي لايك وربع الكمية من التعليقات التي تُبجل وتفخم وتُعظم حضوره.

وأرى معتوهة لا تميز بين الأحرف الأبجدية أضحت صحفية يتبارى على صفحتها كبار الصحفيين وصغارهم يمتدحون ما كتبته ويبدون إعجابهم ويوزعون عليها الألقاب في العام وأرقام الهواتف في الخاص بمشهدية تذكرني بما كان يفعله الشباب في الملاهي الليلية حين تعجبهم راقصة، وكاتبة مسلسلات تلطش أفكارها من الكتب والروايات والخلخال في قدمها يجلب آلاف اللايكات إن هي رفعتها.

الحقيقة أنّي تعبت ولا أستطيع أن أكمل الآن يا مستر “مارك”، وبتّ أشعر بالخدر وأعراض احتشاء فيسبوكي وأنا أسمع شتائم من قلت أني أراهم هنا في عالمك، لذا سأتوقف هنا وعساي أكمل في وقت لاحق توصيف ما أراه.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …