الرئيسية » رصاص ناعم » التستّر على آلامنا
لوحة للفنان السوري أنس البريحي

التستّر على آلامنا

مناهل السهوي  | 

مناهل السهوي
                                            مناهل السهوي

حدثني صديقي من العراق مواسياً بالأحداث الأخيرة هنا، شعرتُ بحاجة للبكاء والاتكاء على كتف أضعف وطن على هذه الأرض، نعم سأركض حافية إلى وطن لن يقوى على حملي فوق كتفيه، فالأوطان القوية ما عادت تعنينا، ولن تدرك حجم الألم والخسارات والذعر الذي نشربه مع فنجان القهوة صباحاً، يحاول صديقي التخفيف من هول الخبر، “كيف حال الكيماوي عندكم، أما زلت تتنفسين، أم أنك صرت سمكة تتنفس من غلصمتها”، أضحك مجيبة “بما أني أحدثك فيبدو أن الهواء نظيف، والسماء صافية والحدود آمنة”

في العاجل الإخباري عشرات العراقيين يدخلون إلى الأراضي السورية، أين سيقيم هؤلاء!، ألا يخافون الموت هنا، الشيء الوحيد الذي يجعلهم يفرّون هو وجود موت أكبر من آخر ومجازر أكبر من أخرى ورصاص يصيبنا بدقة أكثر من غيره وبما أننا غدونا نملك ميزان للموت الذي يحيط بنا كمقياس رختر فليس مخيفاً بعد الآن اختيار مكان خطر آخر لأننا بفطرتنا صرنا نعرف أن مكان يطلق فيه الكيماوي ليس كحرب الشوارع وليس كمكان تحكمه الجماعات المتطرفة، تمييز حجم الموت حولنا هو خطوة أولى لندخل في “أمومة” الشعوب الضعيفة ولنواسي شعبا آخر ووطن آخر.

أتخيل أن ما نحتاجه “نحن” الأمم الضعيفة، هو أن نمتلك جماعات شفاء كما تلك التي يجتمع فيها مرضى السرطان، يصلّون جميعهم لنيّة الشفاء، ثم يحكي كلّ واحد عن تجربته مع السرطان، يقولون إن هذه الطريقة من أنجع الطرق في تخفيف الألم، وفي تقبّله أيضاً وفي التغلب عليه لما له من آثار نفسية، فما يحتاجه رجل قُطعت قدمه في الحقيقة هو مقابلة أشخاص بلا أقدام أيضاً، يرى الألم في عيونهم، يلمسون ندوب أقدامهم القديمة بلا خوف، يعلمونه كيف يبدأ المشي على قدم مستعارة، أشخاص نسوا شعور القدم الحيّة، ما عاد من المفيد التستر على آلامنا، نحن بأمس الحاجة لبعض المواساة.

إنه الانسحاق الذي نفهمه جيداً في تقاسيمنا نحن الشعوب الضعيفة، كيف نبادر لمسح الغبار عن وجوه بعض، ونسوي شعر بعض كطفلتين يتيمتين، تعلمان كيف تصبحان أمهات وحيدات، نحن ضعيفون لكننا نتعرف عل الألم بالفطرة، ونزيح ردم منزلنا وننتقل لأنقاض منازل جيرانا، فهذه هي شعوبنا توحدت، كما لم نتخيل، نحن الآن جبل من التعاسة، نتشارك الآلام والانفجارات والمذابح والانهزامات، نبتسم في صالة انتظار كبيرة، نسأل عن آلام الآخرين ونواسيهم، صارت عيوننا قادرة على ضمّ الجروح التي تشبهها، لم يعد مستحيلاً أن نأوي إلى جروح بعض كظباء جريحة، يتجمع الموت أمام منازلنا كالثلوج المتراكمة، نزيحها بأصابعنا المتجمدة ونقطع الطرق والموت يسيل كالماء حولنا، إذاً هذه هي أمومة الشعوب الضعيفة، آخر من نصدق أنهم يشعرون بألمنا، الشعوب الوحيدة التي فهمت معنى الإنسانية بعد موت آلاف أبنائها.

شاعرة سورية | خاص مجلة قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …