الرئيسية » رصاص ناعم » ذاكرة الموت

ذاكرة الموت

هناء الصلال  |

أيتها الذاكرة الكفيفة لا تلثمي جرحي.. فقد تتهاوى جدران الألم على ميراث صمتي.. لا تمطريني وابلاً من شوقٍ على مرايا قدري.. فهم في ظل الغياب أشهى وأجمل كما النجوم في البعد أحلى.. أتتصورين التعمق فيهم يفضّي إلى خيبات الأمل.. ويبقى الحلم هو المُشتهى..

ذلك الحائر يقف دائماً بيننا لا نراه وهو يطلع على أدق تفاصيل حياتنا وقد يختار الأصغر والأتفه منها لتكون سبباً يكون ذريعته للإمساك بيد الحياة وجرها خارج الأرض. .يتجرد الجسد من الإدراك وتتوقف المشاعر المعذبة فالآن لا يوجد خيارات.. انتهت تلك المهزلة انتهت تلك الصراعات ودخلت الروح برزخ الهلاك أو النجاة..

ذلك الزائر الموشح بالسواد له ذاكرة انتقائية فهو يختار الأجمل والأشهى والأكثر رغبةً بالحياة.. ويترك أولئك الذين سكن اليأس قلوبهم المرهقة فهو لديه شغف بالقلوب المفعمة بالأمل وتمتهن لذة الأشياء.. بتلك الذاكرة سرق رونق الحياة فباتت سراديب معتمة فاغرة تنطوي على شيخوختها وتتحسر على الشباب.. أخالها تشبهني لطالما اتفقنا على العيش بعزة أو الموت بسلام..

عجزت أن تعز المستذلين بها فاختارت لهم أجمل موت على استحياء.. كانت تربي تلك القرابين بتوجس عن بعد ترقب نظراتها الشاردات.. تفضي عليهم بالسحر والجمال والأمان الخداع.. وعند أول عيد لها تختار الذبح الأكبر وبلا تردد ولا انتظار تفترس الأشهى هكذا هي الحياة..

هكذا خسرناهم.. وهكذا مضوا إلى الموت عابثين.. يلعبون.. متيقنين أنهم عائدون.. وكيف للموت أن يترك القرابين تفر من بين فكيه أليست رائحتهم تعبق بالياسمين وعيونهم أليست كالجواهر والحجر الكريم.. وقاماتهم أليست منارات التائهين.. وكفوفهم أليست حقولاً من القمح ومن بين أصابعهم تدفق بردى وفرات حزين..

هذه الثروة التي بددناها بتبذير فنحن نمتلك منها الكثير..

نمتلك شموعاً تضيء الليل إذا أسدل الظلام ستاره على جغرافية الوطن على الجبال والطرقات على البحر والنهر وعلى أقاح الربيع..

أجتثوا الأزهار من أعماق الأرض ونقلوها على زوارق الموت عبر البحر لتزرع في أرض ليست أرضها وهذا المناخ المثلج قد جمد الدم في عروقها فكيف لها أن تنمو وتزهر..

تغيرت عليها الوجوه ذات الملامح الباردة والنظرات المستنكرة لوجودها.. فلا بيت يضم الأهل والجيران.. ولا طرقات وأرصفة نصدف على راحاتها الصداقات والشلة.. كل ما حولهم يخيم عليه الاكتئاب وينسل الحنين من الحشا يطالب بالعودة..

أمام موانئ المسافرين على هدير الأمواج أقف وأبكي الغربة وأي غربة.. أثارت الزوابع في النفوس المشردة تبحث عن عنواين..

فلا الدار لها أثر ولا الأهل موجودين ولا عبق الياسمين ينبعث من زقاق الحواري، والقلب ينبض بالهوا وينقل الخطى على هودٍ يخشى أن ترمقه عيون الساهرين فينفضح ذلك السر الدفين بين أضلع سجنته عنوة..

فالعاشق كما الخارج عن القانون مجرم ملاحق تلاحقه أيادي الكائدين..

نسمع أن المنايا التهمت أبناءنا فنبكي العجز وما طعمُ دموع العاجزين.. كملح حول الأرض إلى زلالٍ يستحيل أن تنبت فيه أزهار البساتين..

هل ستعودون نهاراً أم تركبون البحر ليلاً وتضيؤن قنديل القمر وتقطفون النجوم وتصنعون عقوداً للمنتظرين..

فالقلب أتعبه شغف الحنين والروح يرهقها الشوق والعيون شاردة في الغسق تنتظر أن تلوح عن بعد سفن المهاجرين..

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *