كنت أحاول أن أعيش أجواء شهر رمضان السورية فالحق يُقال، لم أعش تلك الطقوس منذ أن غادرت بلدي قبل سنوات، فالطقوس الرمضانية السورية لها نكهتها الخاصة، وإن هي تغيرت كثيراً خلال العقد الأخير.
لم أجد غير القنوات التلفزيونية السورية لأعيش من خلالها طقوس رمضان، وبينما كنت أتابع برنامج مسابقات على قناة سما الفضائية، كانت القناة تطرح على المتصلين أسئلة مع احتمالات، وأحد الأسئلة كان عن «زرادشت» من هو وما هي جنسيته؟
وحصرت القناة الإجابة في احتمالين الأول أنه شاعر فرنسي، والثاني أنه فيلسوف ألماني، وقد لفتني هذا الخطأ الفادح فقمت بسرعة والتقطت صورة للشاشة، وقد فازت متصلة كان جوابها أنه فيلسوف ألماني. ثم نشرت الصور على صفحتي مع تعليق بسيط، وما كنت أدري حينها أن الأمر سيتحول إلى قضية رأي عام في سورية والعالم العربي عبر القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية.
ساعات فقط وانتشرت الصور التي التقطتها كالنار في الهشيم، وصارت بمتناول الجميع، نشرتها العديد من القنوات والمواقع الإلكترونية، ولم تذكر المصدر الذي هو صفحتي في الفيسبوك أو تشير له حتى إشارة، وليست هذه المشكلة فقط، إنما كشف لنا مثل هذا الأمر مدى السذاجة والتفاهة التي تتمتع بها مجتمعاتنا وسنلحظ ذلك ببساطة من خلال التعليقات التي عقبت على الموضوع، ناهيك عن أنه إذا أخذنا الأمر من جانب آخر، ما الفرق بين خطأ القناة وقيام القطعان الفيسبوكية من نخبويين وشعبويين بسرقة الصور والخبر من صفحتي دون ذكر المصدر، وعدم احترام أصول العمل الإعلامي، بل أن بعض المواقع وضعت أختامها على الصور الملتقطة؟
الفرق ليس كبيراً، بل أن الأمر في الحالة الأولى مقبول أكثر، ويمكن إيجاد الكثير من المبررات له، بينما في الحالة الثانية وهي السرقة الموصوفة لا يمكن الحديث فيها عن مبررات أو القبول بأي مبرر لها.
هذا التداول المفرط للقضية ليس الأول من نوعه، فقد ثبت بكثير من المواقف السابقة أن الفرق بين الشعبويين والنخبويين ليس كبيراً في مجتمعنا، بل هما يلتقيان ويشتركان في كثير من النقاط، والمضحك المبكي أن أغلب الأشخاص الذين تناقلوا الصور والخبر لا يعرفون أساساً من هو زرادشت، وحتى من حضروا البرنامج منهم لم يلتفتوا أو ينتبهوا إلى الخطأ الوارد في البرنامج، ومر عليهم مرور الكرام لكن ربما سوء حظ مقدمي البرنامج جعلني أتابع القناة وألتقط هذا الخطأ ويكون ما كان في أول أيام رمضان.
على المقلب الآخر ثار بعض الأشخاص الأكراد محتجين على أن زرادشت كان كردياً وليس إيرانياً أو ألمانياً، وهنا ما عليك سوى أن تحضّر (نفس أركيلة) تمجها وأنت تتابع الكم الهائل من السخافة والانحطاط الذي يتمتع به مواطنينا في الشرق بغض النظر عن قومياتهم أو طوائفهم أو مناطقهم، وما زاد الطين بلة خروج المذيعين عن صمتهم ومهاجمتهم من انتقدوهم، واعتبار أن من انتقدهم ليس سوى باحث عن الشهرة، رافضين الاعتراف بخطأهم وهذا ليس جديداً علينا فنحن في الشرق مشهورين ومعروفين بالتمترس خلف أغلاطنا حتى الرمق الأخير لذا لا مشكلة لدينا أن نستمر بسفك دماء بعضنا حتى الفناء على أن نتوقف ونقول: نحن آسفون كنا على خطأ.
مجلة قلم رصاص الثقافية