فار السوريون “افتراضياً” بعد عرض أولى حلقات برنامج «كلام كبير» على القناة الفضائية السورية، إلا أن فورتهم لم تجدِ نفعاً، لأن أي ردة للفعل للمواطنين تجاه أي قرارات أو تصريحات أو برامج تُفرض عليهم ليست تعني شيئاً للقائمين على المكنة الإعلامية في سورية.
تناولت أغلب الصحف والمواقع السورية والعربية البرنامج إلا أن مقدمه عماد جندلي اعتبر ذلك النقد “دعاية مجانية لبرنامجه”، واصفاً منتقديه بـ”أعداء النجاح”، وقد صارت هذه الجملة “أسطوانة مشروخة” يرددها أي شخص يتعرض للنقد في سورية.
ووفق المثل القائل: “السارق من السارق كالوارث من أبيه”، رد جندلي على إتهامه بتقليد برنامج “هيدا حكي” اللبناني الذي يقدمه عادل كرم بكل تفاصيله، “إن هذه البرامج ليست إبداع القنوات اللبنانية إنما هي في أصلها أمريكية”.
ليست فكرة البرنامج وديكوره وفقراته فقط هي المستوحاة من برنامج لبناني، إنما الاسم أيضاً، “كلام كبير” هو اسم برنامج مصري انطلق في شباط 2017 يقدمه الإعلامي محمد ناصر ويناقش فيه قضايا سياسية واجتماعية بمشاركة بعض الضيوف وجمهور من الشباب في الاستديو.
وبما أنه “عند جرن الحمام تبان القرعة من أم الشعر”، لم نأخذ بتعليقات المتابعين الفيسبوكيين، وتابعنا بعض حلقات البرنامج الجديد الذي يرى فيه القائمون عليه “فتحاً جديداً في «خشبية» برامج القنوات الرسمية السورية”، بدا من الواضح أن جندلي يعتمد حتى اللحظة على بعض معارفه وعلاقاته إضافة إلى تعليقات الفيسبوكيين لصناعة حلقة متكاملة ليس بوسع أحد متابعتها إلى آخرها لـ”ثقل دمها، وسخافتها”.
إن أي مشاهد للبرنامج الجديد سيتبادر إلى ذهنه على الفور برنامج “هيدا حكي” وسيقارن بشكل تلقائي بين البرنامجين، وحتماً سترجح الكفة للبرنامج اللبناني لأن خفة الدم فيه ليست مصطنعة، وجاءت شخصية عادل كرم وفريق البرنامج لتكون ملائمة للمواضيع التي يتم طرحها والكوميديا خفيفة الظل على المشاهدين حيث بوسعهم أن يتابعوا الحلقة إلى نهايتها دون أن يشعروا بالملل أو يغيروا المحطة قبل انتهاء فقرات البرنامج كما أفاد أغلب متابعي البرنامج السوري.
مُعد البرنامج أدونيس شدود شريك جندلي في البرنامج الجديد، كان يعمل سابقاً في قناة “سما” السورية، وأعد برنامج “لو فرضنا جدلاً” على قناة “سما” والذي كان يستوقف المارة في الطريق ليسألهم أسئلة مثل، “الأمم المتحدة قررت تسليم ملف الكيماوي السوري للمحقق كونان، ما رأيك؟” أو “هل ستساعد زيارة المجاهد عمر المختار لسورية في تشكيل الحكومة السورية؟”، ويرصد ردة فعل المواطنين العفوية المُثقلة بكل تعب سنوات الحرب والهموم اليومية للإنسان السوري، ولم يحقق البرنامج مشاهدات كبيرة وشهد الكثير من الانتقادات لاستخفافه بردود فعل المواطنين العفوية تجاه هذه الأسئلة، التي وصفها أغلب المتابعين بـ”السخيفة”.
تعرض برنامج “لو فرضنا جدلاً” للكثير من الانتقادات، ودافع عنه معده ومقدمه شدود بالقول أيضاً: “إن هذا النوع من البرامج يلقى رواجاً في الولايات المتحدة الأمريكية”. رغم الفشل الذي حققه البرنامج بعد مواسم من عرضه إلا أن معده وجد ضالته في الفضائية السورية لينتقل إليها ناقلاً فشله معه، وإعادة تدوير الفشل ليس غريباً في سورية، وليس برنامج “كلام كبير” إلا أحد هذه النماذج.
والسؤال الذي يطرح نفسه، أليس لدى الشباب السوري أفكاراً مُبتكرة تحترم ذائقة المواطن ووعيه بدلاً من البرامج المُقلدة التي تستخف بعقول المشاهدين رغم أن وعيهم تخطى وعي القائمين عليها بأشواط؟
كان من الممكن لهذا البرنامج أن يشكل نقلة في حياة المواطن السوري أو الترفيه عنه لو أنه عُرض قبل عقدين من الزمن حين لم يكن لدى المواطن أي قنوات أخرى يتابعها، أما اليوم فليس من الممكن إقناع الجمهور بتهريج مصطنع عن طريق برامج استُهلكت في الغرب منذ عقود طويلة وتقديمها على أنها وجبة كوميدية تلامس هموم المواطن.
ولن تنفع هنا عبارة “أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً” وقد صار لدى الجمهور خيارات كثيرة تتيح له أن التعبير عن معاناته وهمومه والتفاعل معها.
“يا عيبو”
حسب تصريحات له هدد مقدم البرنامج وتوعد كل من ينتقد برنامجه ويتهكم عليه بمقاضاته أمام المحاكم الرسمية، فهو فقط من يحق له انتقاد الآخرين والتهكم عليهم عبر برنامجه !
تدفع القنوات والبرامج للشباب الذين يحضرون في الاستديو عن كل حلقة يشاركون فيها كمصفقين حين يستشعرون أن المقدم يحاول ابتكار نكتة على المسرح !
فهل يدفع كلام كبير للشباب أم أنهم يصفقون ويضحكون “سخرة”؟
صحفي وكاتب سوري | مجلة قلم رصاص الثقافي