الجرّة

نور الصباح   |

بملامح منكمشة أزحف من الباب الزجاجي،  إلى ردهات البازار الواقع على أهداب مدينة عمان، هذا هو الرجل الذي استأذنته في تصوير التحف النائمة هنا أمس، وضعت خطة فورية، أن أزرع نظراتي داخل الأرفف وعلى الطاولات بين المرايا حتى أجدها، وأقرأ باقي تفاصيلها، بينما أغوص بين الأطباق المطرزة بنقوش إسلامية وتلك القلائد البدوية، والشمعدانات الفضية وهذا هو ركن المزهريات، تلك واحدة من العصر الأندلسي، وهذه تحمل زركشات هندية، ولكن أين الجرة الزرقاء كانت هنا الليلة الماضية، معقول ابتاعها أحدهم تبدو العملية معقدة هل أنتظر حتى أتعرف على شاريها، وأطلب منه أن احج إلى ذاك الاناء الضخم الذي  اقتناه لتوه وهل سيسمح؟.

نفس ساخن يفترش عنقي وصوت لاهث يسكن أذني، أستدير خلفي حسنا هذا هو صاحب البازار ابتسامته ترسم لوحة تعارف سابق بيننا، صافحته وسألته ووصفت له في نفس  واحد ،الجرة الزرقاء المكتنزة التي تنتمي للعصور الوسطى،  قال:

ليس لدينا جرة بمثل هذه المواصفات.

ألا تذكرني! كنت أصور مقتنياتكم ليلة البارحة وصورت الجرة الفخارية كانت في هذا الرف بين هذه المزهريات.

نعم كنت هنا والتقطت صورا للتحف والحلي ولكن ليس هناك ما تحكين عنه.

تركني الرجل والأفكار تتقاتل في جمجمتي،  تذكرت أن جوالي به كل الصور التي حنطتها،  هذه هي القارورة العملاقةوتلك هي الكلمة التي زلزلت أركان قلبي.

ركضت نحو الرجل وخطفته من زبون كان يعاين لوحة فرنسية قديمة وزرعت شاشة الهاتف في عينيه:

أنظر ها هي الصورة ها هي الجرة ليس هناك أي جرة زرقاء في الصورة.

بينما أصرخ في وجهه حتى فتح عينيه على آخرهما،  قتلت الكلمات في حلقي ودارت بيا الأرض ،الجرة ! أهربت من الصورة كما هربت من البازار،  ولكن هذا هو الرف الذي فتشت فيه به كل المزهريات المصفوفة على بعد خطوات مني…

الصورة ومحتويات الزاوية الخشبية المليئة بالقوارير المزخرفة متطابقتان، أنكس رأسي وأتقرفص على الأرض وأطوف بكل القطات التي جمدتها في الذاكرة الفوتوغرافية في تليفوني النقال عدة مرات وكلما وصلت لنفس الصورة طابقتها مع هذا الركن من البازار،  أجدهما توأمين دقيقي الملامح.

أشعر برأسي تحت مطرقة تهوي عليه من أعلى، يكاد ينقسم إلى رؤوس صغيرة، أمرر يدي أعلى جبهتي، ما هذا الفراغ الذي يغلف جمجمتي؟ أبكي وأتلفت حولي عساني أصطدم بمرآة تلتقطها عيناي،  إلا أن البياض في تلك الشراشف المفروشة حولي يحرض مقلتي على القفز من حفرتيهما، أرتجف لرؤية يدي معروقتين،  تقتحمها أنابيب محشوة بالدم، 

أمرر أصابعي على بطني وخصري وقدمي كل شيء في عظمي  داخل غلاف جلدي،  من أتى بي إلى هنا ومتى؟ ربما صاحب البازار قادني إلى هنا نعم كنت في حالة سيئة يومها،؟

يبدو أنني هنا منذ زمن، شقت أمواج أفكاري فتاة تلبس فستاناً أبيض لعلها حاكته من أحد الشراشف التي تكسوني،  تجر نفسها معلقة إبتسامة على شفتيها،  وتحمل شيئاً ضخماً بين ذراعيها يلبس ورقاً أبيض.

 كيف أنت اليوم؟

وأنا مفتوحة الفم والعينين لا أجيب.

أحدهم أرسل لك تلك الهدية ، هل أنزع عنها الغلاف؟

غمغمت موافقة

 عرّت الفتاة الهدية هذه هي الجرة  الزرقاء وتلك هي الجملة المحفورة في بطنها الموت يركض نحوك.

إعلامية مصرية | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *