فشل السوريون الذين تصدروا المشهد خلال ثمان سنوات في تشكيل تيار وطني جامع وشامل ينحاز للوطن فقط، دون أن يكون له أي ارتباطات مع أي جهات خارجية فجميع التيارات التي نشأت في الخارج ولبست لبوس الوطن والدفاع عن الشعب مرتبطة بالجهات التي تمولها وتدعمها سياسياً، وتنقسم بين فترة وأخرى على نفسها وتنكشف فضائحها المالية والأخلاقية والسياسية، وكذلك تلك التيارات والأحزاب التي نشأت في الداخل فهي على ارتباط بالسلطة وإن لبست لبوس المعارضة والوطن، وتدور حولها شبهات فساد.
تعيش سورية اليوم مخاضاً مفصلياً، لا يرتبط بمجريات الحرب التي تعيشها البلاد منذ سنوات، إنما يتعلق بتداعيات تلك الحرب ومفرزاتها التي أحدثت شرخاً في المجتمع السوري لم يعد بوسع أحد إنكاره سوى أولئك الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ويراهنون على قوة اللحمة الوطنية، وينكرون وجود أي أسباب موجبة لاندلاع الاحتجاجات في البلاد.
ويقف السوريون أمام مفترق طرق، حيث انقسم المجتمع السوري على نفسه، وما لبث أن تحول الصراع المجتمعي إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث برز تيار ديني إسلامي بدأ يتبلور وينشط بأشكال متعددة على الأرض تضم هيئات وجمعيات وتيارات مختلفة، يقابلها نشاط علماني لا معالم واضحة له حتى الآن، ولا يزال متأخراً جداً أمام التيار الديني الذي يحظى بدعم ومباركة من الجهات الرسمية متمثلة بوزارة الأوقاف، بينما لا تزال وزارة الثقافة السورية عاجزة عن جمع المثقفين على موقف واحد يدعم التوجه العلماني في البلاد.
يخشى العلمانيون من تنامي هذا التيار الديني ويعتبرون أن ما يحدث في البلاد منذ ثمانية أعوام وحتى الآن بسبب الإسلاميين إلا أن تلك الخشية لم تجعلهم يوحدون أنفسهم في تيار واحد جامع له ملامح واضحة وأهداف مدروسة قابلة للتحقيق وهذا سيجعلهم يتخبطون افتراضياً دون أن يكون بوسعهم فعل شيء على أرض الواقع.
تحتاج سورية اليوم إلى تشكيل تيار علماني حقيقي وفاعل تكون له الريادة في قيادة المجتمع المدني ومواجهة تنامي التيارات الإسلامية التي تستقطب الكثير من الشباب في الجامعات والمدارس، وإن لم يتحقق ذلك الآن ستتحول سورية إلى عراق آخر تسيطر فيه التيارات الدينية على المجتمع.
مجلة قلم رصاص الثقافية