الرئيسية » حوارات » د. فاديا سليمان : تعددّ القراءات الشعرية أهم وسيلة لبناء الثقافة الشعرية

د. فاديا سليمان : تعددّ القراءات الشعرية أهم وسيلة لبناء الثقافة الشعرية

التقيتها لأول مرة أثناء افتتاح الملتقى المعرفي للأكاديميين السوريين، ذلك الملتقى الذي افتتحته د. فاديا بحضورها قبل صفتها، وتتالت بيننا اللقاءات، وفي كل لقاء كنت  – بدون – قصد أسألها بعض الأسئلة، تارة في اللغة؛ وتارة في الشعر؛  وأجمع تلك الأسئلة؛ وأجوبتها في كراس صغير،  إلى أن اكتملت كحوار، فجلسنا واتفقنا على نشره.

* للشعر مكانة استثنائية في المشهد الثقافي العربي، إلاّ أن تأثيره أقل من مكانته بكثير!! كيف تقرئين هذه المفارقة بين حضور الشعر، وتأثيره؟

الشعر ديوان العرب؛ وسجلهم النفيس؛ الذي حفظ تراثهم؛ وتاريخهم؛ وآدابهم؛ سابقاً. ولايزال في عصرنا الراهن، يلعب دوره الفعال؛ في تنمية اللغة؛ وتنمية المشاعر؛ وإنضاج الوعي؛ وتركيز الحكمة؛ لأنّه ينشّط ملكات التّصور والخيال. لكنّ التطور الهائل لوسائل الإعلام الحديثة جعلت الناس يميلون إلى الصورة المرئية. فغلب المشهد على الكلمة. واحتلّت السينما والتلفاز مكانة الصدارة في التواصل. وتنازل الشعر تدريجياً عن وظائفه الإعلامية. ليخلص لدوره الفني والجمالي، في الرقيّ بتقنيات التّعبير والتّصوير واستيعاب فلسفة الإنسان ورؤيته للحياة والكون.

* سمعتك أكثر من مرة تتحدثين عن الشعر المغربي، ما الذي يميزه برأيك؟

في مطلع الثمانينيات ظهرت بالمغرب كوكبة من الشعراء أغلبهم كان على إطلاع واسع على الشعر العالمي بلغاته الأصلية، هؤلاء الشّعراء تفتق وعيهم على معايشة أحداث جسام عرفها المغرب، مما جعل القصيدة تعالج قضايا الشعر بجرأة أكبر، وظهرت القدرة على تركيب نص مغاير، يخترق الجاهز المغلق، المستبد؛ وقد نجحوا في صياغة مفهوم جديد للشعر المغربي الحديث، كما حققوا تراكماً كميّاً كبيراً.

 وما يميز القصيدة المغربية أنها استطاعت أن تبني إيقاعها الخاص، خارج نظام التفعيلة بصيغة تقليدية. وخارج الأبنية الصوتية للكلمات والجمل. إنه إيقاع يتلمّس محاصرة اللحظة الشّعرية بنوع من التساوق بين ما يسمى الإيقاع الخارجي والإيقاع النفسي.

* هناك زيادة ملحوظة في عدد الدواوين المطبوعة، هل هذا التطور الكمّي، سيفضي إلى تطور نوعي؟

إنّ تيسير عملية الطباعة والنشر تتمثل في أن الشاعر بنفسه هو مَن يتكفل بطبع وتوزيع مجموعته الشعرية، في غياب الجهة المسؤولة عن تقييم الناتج الأدبي، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد الدواوين المطبوعة، كما سمح بظهور أعمال لا ترتقي إلى مستوى الخطاب الشعري .. نأمل أن نشهد لها تطوراً نوعياً.

* كلنا نعرف أن التجارب الشعرية الجديدة لم تواكبها حركة نقدية، فهل يمكن لتلك التجارب أن تستقيم بدون النقد؟

لا يخفى على أحد أهمية النقد الأدبي، بوصفه فناً منضبطاً، يشترك فيه ذوق الناقد وفكره. النقد الأدبي هو الكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية. وله دور هام في دراسة الأعمال الأدبية والفنون وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها، فهو المرجع الأول في الحكم على الأدب. وبدونه من الصعب أن يستقيم الأدب.

*  تنتصر قصيدة النثر الجديدة، للانفتاح على اليومي، كأداة تسجيل، دون فهم جدله الخفي، ودوافعه، ومعطياته!! ألا يقتضي ذلك التساؤل عن خصوصياتها، إن كان لها خصوصية؟

لا شك أنّ قصيدة النثر قد جسدت مخرجاً للأفق المسدود الذي يفرض على القصيدة عبء (الالتزام والواقعية) وراحت قصيدة النثر تفرض نفسها كنص مفتوح، يقوم برصد التفاصيل اليومية معتمداً قوة المشاهدة والصور التلقائية. وتتجلى خصوصيتها وفرادتها في أنّ البساطة التي يقوم عليها هذا النوع من الشعر هي بساطة خادعة، إذ سرعان ما تفصح لغتها السهلة عن عوالم معقدة تروى من معين الفلسفات العالمية الكبرى، وتسعى إلى توظيف التراث، كما تعبر عن تجارب خاصة وفردية.

*هل للشعر أبواب يمكن الدخول على القصيدة منها؟ وما هي هذه الأبواب؟

الشعر هو الرئة التي يتنفس الشعراء من خلالها حرياتهم في التعبير والتفكير وإبداء الرأي، رغم انتشار وسائل الإعلام وهيمنتها.. تبقى القصيدة هي صورة الشاعر الأصدق للتعبير عن المشاعر والأفكار، وأنا لا أجد باباً تلج منه إلى القصيدة المؤثرة إلا صدق التجربة الشعورية، وتعددّ القراءات الشعرية أهم وسيلة لبناء الثقافة الشعرية لدى الشعراء والمتابعين على حد سواء.

* هل القصيدة هي حصن الشاعر، أم نافذته؟

لا يمكن للقصيدة أن تكون حصناً يختبئ الشاعر خلفها، مسيجاً بالغموض والظنون، بعيداً عن مدركات القارئ والمتلقي. القصيدة هي النافذة المشرعة التي يشرق من خلالها الشاعر بفيض أحاسيسه وأفكاره، يرسلها أشعة ذهبية لامعة لتفتح أعيننا على نور المعرفة، وأساليب التفكير والرؤية، ليرتقي بنا، وبما نحمله في نحمله في ذواتنا من مشاعر متحفزة متشوقة للجمال والإبداع.

* ما هو موقع القارئ منك حين تكتبين؟

حين أكتب فأنا أجالس القارئ، وأبثّه النجوى؛ والشكوى؛ وأشاركه الفكرة واللوعة والشوق. أحاول أن أشاركه المواقف. وزادي الوحيد في هذا هو صدق اللحظة الشعورية ونبضها القوي الجارف.

 * الكل يسأل عن صورة المرأة في القصيدة، معك، يحق لنا أن نسألك عن صورة الرجل في شعرك؟

في عصر تساوت فيه المرأة مع الرجل في بعض الحقوق، وصارت فاعلة مثله في العمل. لم يعد الرجل هو المعيل، أو مركز القوة الوحيد، أضحت المواقف هي التي تكشف معادن الرجال. بنظري أرى الرجل هو السند الفكري والعاطفي. هو الأب والصديق والحبيب. وتشفّ معظم قصائدي عن صورة الحبيب الصادق الوفي.

* تقول أناييس نن : ( الشعر عنف منظم) كيف تمارسين هذا العنف؟

الشعر عنفٌ منظم، يرتكب بحقّ اللغة اليومية، فهو تجاوز الكلمات لحقلها الدّلالي، والابتعاد بها عن المألوف، نحو اللغة المتجاوزة نفسها لتحقيق الجمال الشعري وهذا ما يسمى (الانزياح) .. وقد أخذت هذه الظاهرة مني موضع الاهتمام والتقدير فقد بحثت بها وعنها في دراستي الأكاديمية، إذ كان عنوان رسالتي في الماجستير: (الانزياح الدلالي في ديوان أشدّ على أياديكم للشاعر توفيق زياد) ، وكذلك أطروحة الدكتوراه الموسومة ب (الانزياح وشعرية اللغة في تجربة امل دنقل) ، إذ تحدثتُ كثيراً عن فكرة الهدم المنظم لقواعد اللغة ومثاليتها من أجل بناء نظام شعري جديد يمتلك المرونة العجيبة في الاستجابة لإرادة المبدع في نظام جملته وثروة مفرداته.

شاعر وكاتب سوري  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن إبراهيم الزيدي

إبراهيم الزيدي
شاعر وكاتب سوري، عضو اتحاد الكتاب العرب، كتب ونشر في العديد من الصحف والمواقع والمجلات السورية والعربية، صدر له في الشعر: كلمات بلون الحب ـ ثم ليلى، ورواية «حب تحت الأنقاض».

شاهد أيضاً

الكاتب السوري عمر الحمود:  المجاملات في الثقافة قاتلٌ صامت

حوار: عبد الرزاق العبيو  | عمر الحمود، أديب من مدينة الرقة السورية، عضو اتحاد الكتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *