الرئيسية » مبراة » معضلة “ساسوكي”!

معضلة “ساسوكي”!

ما كان ينقص بعض السوريين إلا جنازة ليلطموا فيها، وجاءت قصة “ساسوكي” لتكون جنازة افتراضية بدأ اللاطمون فيها بممارسة هوايتهم المفضلة على وسائل التواصل الاجتماعي، فأنساهم ظهور فتاة في البرنامج الكرتوني “ساسوكي” بلا حمالة صدر، كل مشكلاتهم وأزماتهم التي يعانون منها.

اعتذرت القناة السورية من مشاهديها عن تلك اللقطة السريعة التي أفلتت من مقص الرقابة، ورغم ذلك لم يسكت سوريون رأوا في ذلك خدشاً للحياء العام، وانتهاكاً لبراءة أطفالهم.

مشكلة غالبية أبناء مجتمعنا أنهم يظنون أن أطفالهم ما زالوا يصدقون الحكايات التي يسردونها لهم عن كيفية مجيئهم للحياة، مثل أنهم اشتروهم من سوق الجمعة، أو من الطبيب، أو من المستشفى، ويحاولون إقناع أنفسهم بأن أطفالهم لا يعرفون شيئاً، وفي المقابل يتركونهم لأترابهم ليتعلموا منهم تفاصيل أجسادهم.

ويتجاهلون أن أطفال اليوم، غير أطفال الأمس، غيرنا نحن، أعرف طفلاً كان في الرابعة من عمره، وربما في الثالثة والنصف، حين سأل أمه، عن كيفية مجيئه إلى الحياة، وقد أربكها بسؤاله، وتحت إلحاحه المستمر، أجابته: ذهبت مع والدك إلى الطبيب وأحضرناك.

فقال لها ببراءة: كذابة، أنا جئت من هنا. وأشار إلى بطنها.

لتبدو الأم غبية، وكاذبة، أمام طفلها حاد الذكاء، والذي لم تستطع كل حيلها إقناعه.

إن اعتياد الطفل على التعامل مع هذه الأعضاء، يجعله يتخلص من غريزته الحيوانية، والتي نراها تتجلى بشكل واضح لدى بالغين في مجتمعاتنا، وحتماً ليست طارئة إنما رافقتهم منذ طفولتهم إلى مراهقتهم المُبكرة والمتأخرة.

اليوم وفي أوروبا يعيش آلاف الأطفال الذين جاؤوا من الشرق، ويشاهدون عشرات التماثيل العارية في الشوارع والساحات العامة، ولو عاد الأمر للشرقيين لكانوا حطموها، فقد رأيت لاجئاً سورياً في أول عام لي هنا، يطلب من زوجته وأطفاله عدم النظر إلى تمثال امرأة عارية ينتصب وسط إحدى الساحات. فذلك لا يجوز، ولكنه لم يسأل نفسه إن كان قد نجح في ذلك، فكيف سينجح في منع أطفاله رؤية رجال ونساء ومراهقين يُقبلون بعضهم في وسائط النقل العامة، وفي الشوارع والساحات وعلى الشواطئ، وليس هناك من ينظر إليهم سوى الغرباء القادمين من بلاد يمارس فيها الناس، جميع الناس، ممارسات تفوق هذه بأشواط، لكن في السر، ففي بلادنا لك أن تفعل ما تشاء، شرط أن تفعله بالسر.

ما أحدثته تلك اللقطة التي سبق أن عُرضت منذ دبلجة برنامج الرسوم المتحركة عشرات المرات، يكشف مدى الأزمة النفسية العميقة التي تعاني منها شريحة واسعة من أبناء مجتمعنا، وتكشف أن المعضلة الأساسية ليست في برنامج “ساسوكي”، أو في الثقافات الأخرى، إنما في مجتمعنا الذي يُريد غالبية أفراده أن يُفصلوا العالم على مساحة ثقافتهم الضيقة، التي لم تستطع حتى الآن فهم العالم من حولها، ومما لا شكَّ فيه أن الأزمة السورية قد فاقمت أزمة المجتمع مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وما أفرزته من تطرف وتشدد مبالغ فيه وغير مبرر في كثير من الأحيان، فهنا على سبيل المثال، يزداد بعض اللاجئين انغلاقاً على أنفسهم، حتى الذين لم يكونوا ملتزمين في بلادهم تحولوا هنا بشكل مفاجئ إلى متشددين، رغم أن حرية المعتقد مكفولة، وهذا ما لحظه الأوروبيون أنفسهم.

مع ارتفاع درجات الحرارة هنا، يخفف المواطن الأوروبي من ملابسه، فرؤية الملابس الداخلية لمعلمة المدرسة، أو زميلة العمل، أو أي أنثى مارة في الطريق، أمر أقل من عادي بالنسبة للرجال هنا، القادمون من الشرق هم من يسترقون النظر، ويُطيلون النظرة الأولى حتى لا يؤثمون، وتبدو عيونهم متعطشة وجائعة لنهش كل ما يظهر من الجسد، وهذا الأمر ليس بيدهم حتماً، فهو مرتبط بالدرجة الأولى بالثقافة الخاطئة التي نشأوا عليها.

لذا قضية “ساسوكي” لم تكن سوى كاشفة للدرك الذي وصلنا إليه، وما كان للقناة أن تعاقب القائمين على البرنامج، أو تعتذر عن لقطة ظهرت، لأن أطفال اليوم يعرفون جيداً كيف جاؤوا إلى الحياة، وأول شيء يتعرفون إليه عند مجيئهم إلى هذه الحياة هو الثدي، ومعرفته ورؤيته تجعلهم في مراحل لاحقة يكفون عن محاولة استراق النظر إلى كل ثدي يرونه، بدءاً من أثداء محارمهم ووصولاً إلى أثداء زميلاتهم ومدرساتهم وجاراتهم والراكبات معهم في السرافيس، وينشغلون بأمور أهم في حياتهم.

مجلة قلم رصاص الثقافية 

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

محضر تحقيق !

قررت أخيراً أن أضع حداً له، وداهمت مسكنه عند منتصف الليل، كان مستلقياً فوق طاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *