ماهر منصور | تتواشج السير الشخصية لأبطال مسلسل “الندم” للمخرج الليث حجو مع سيرة البلد والمجتمع السوري ككل، فيؤرخ حسن سامي يوسف لمرحلة عاشتها سورية، ولأخرى تعيشها اليوم ولم تزل.
زمنان واضحان، ماض وماض قريب، تدور خلالهما أحداث المسلسل، يميل المخرج الليث حجو إلى الفصل بينهما اعتماداً على القيم اللونية وما فيها من مخزون تعبيري، فيختار لون الطبيعة والأشياء كما تراها العين، للتعبير عن مرحلة مضت بدت في حيوات شخصيات المسلسل تزهو بألوان الحياة، فيما يرسم مشاهد المرحلة الثانية(الماضي القريب) بألوان اقرب للابيض والاسود وتدرجهما اللوني، بكل مدلولاتهم التعبيرية.
أما كاتب العمل حسن سامي يوسف، وهو صاحب الخبرة الأكاديمية في كتابة السيناريو وما يطرأ على آليات صناعته، فيبدو كما أنه يقدم مقترحاً درامياً جديداً لنص “الندم” يقوم في ظاهره على تقنية “الفلاش باك”، إلا أن هذه الأخيرة لا تمضي بشكلها التقليدي، وإنما تعتلي صهوة التخييل الروائي والدرامي لتروي الحكاية، فيبدو السيناريو الدرامي حاضراً بقوة في الزمن الأول(الماضي)، فيما تحضر الرواية في غالبية مشاهد الزمن الثاني( الماضي القريب)..إذ يسيطر السرد الصوتي في هذا الزمن.
ورغم أن القاعدة الدرامية الأكثر أهمية تقول: “أعرض، لا تقص” إلا أن السرد المدروس الذي يقدم إضافة لاسردية، من شأنه أن يكون عاملاً إيجابياً، بوصفه تكنيك مصاحب في كتابة السيناريو، يؤدي هدفاً جيداً..وهو في “الندم” يروي ـ”الآن” و”هنا” عبر يوميات الكاتب عروة، المشغولة بما حدث خلال السنوات الخمسة الأخيرة، على نحو ستبدو سيرته الذاتية خلال هذه السنوات إطاراً لحكاية (الماضي) المشغولة ببحث حياتي شديدة الواقعية، والتي يعيش أبطالها صراعاتهم مع هواجسهم الشخصية ومع الآخرين، لإثبات الذات، أوالظفر بالحب، أو إرضاء طموح يصل حد الطمع، أو البحث عن معنى آخر للعمر.
كل تلك الصراعات سيرويها حسن سامي يوسف بلسان “عروة” مستفيداً من تقنيات الرواية التي تتيح لصاحبها حالة التداعي الحر للذكريات وحكايات الماضي، دون أن يثقلها بمشاهد من الماضي القريب، لم يزل تناولها درامياً يثير جدلاً فنياً بين مؤيد ومعارض، وستبدو مفتعلة إذا ماقيست بدينامية السرد الدرامي في الزمن الأول…وبالتالي يبدي الكاتب يوسف فهماً لقاعدة “أعرض، لا تقص” بوصفها دعوة للإخلاص لفنية الحكاية، وسرداً للتفاصيل دون أن يعرقل تدفق المشاهد الدرامية في سيناريو الزمن الأول.
تكنيك السرد الصوتي الذي اتبعه حسن سامي يوسف في الزمن الثاني ليس كسلاً منه، والحكم هنا يحسمه ببساطة اكتمال البناء الدرامي للزمن الأول، على نحو يمكن إزالة السرد الصوتي بل و إزالة الزمن الثاني برمته، وتظل الحكاية في الزمن الأول متماسكة، وهذا التماسك من شأنه أن يدعونا للبحث عن سبب اعتماد السرد الصوتي في الزمن الثاني من قبل الكاتب حسن سامي يوسف، وتقصي الهدف الذي أراده من إتباع هذا التكنيك.
الحديث على هذا النحو لا يعني أن ” الندم” عملاً درامياً كاملاً لا يشوبه العيوب، وهو بالمناسبة ليس أفضل أعمال حسن سامي يوسف الدرامية، لكن فيه ما يستدعي التوقف عنده، سواء بإخلاصة للخصوصية المحلية السورية، أو بتقنية الكتابة المعتمدة حتى لو لم تقنع الجميع.
صحافي ثقافي وناقد درامي | موقعه الشخصي