الرئيسية » حوارات » الفنانة السورية بادية حسن: الغناء خفف عني وطأة الحرب

الفنانة السورية بادية حسن: الغناء خفف عني وطأة الحرب

ينقلك صوتها الشجي إلى عالم من حنين، وتحلِّق روحك في فضاءات الحياة والعشق والأمل، تقف عاجزاً أمام سوريالية المقطوعات التي تغنيها.

تقدم نتاجها الليلكي وهي تشدو لسورية فرحاً وأملاً بالسلام، وروحها المعمَّدة بعشق الشام تحلم بالخلاص من الوجع القابع في الوجدان.

تحرص على كتابة كلمات أغانيها بنفسها، وتواظب على تلحين الكلمات مازجةً المفردات مع ترنيمات العشق لتخلق ثيمةً خاصة بها تجعلها تأسر سامعها قابضةً على أنفاسه حتى الرمق الأخير.

مجلة قلم رصاص التقت الفنانة السورية بادية حسن وكان هذا الحوار:

* من أنتِ؟

ـ بادية حسن فنانة سورية من مدينة اللاذقية، أحمل إجازة في الهندسة المدنية. IMG_7320

* من أين بدأت مشوارك الفني؟

ـ بدأت من محافظة سورية لطيفة جميلة بأهلها وطيبتهم وثقافتهم، هي مدينة الرقّة السورية، الغنية بفراتها العظيم وأهلها وعراقتها وآثارها، كانت المرة الأولى التي أقف فيها على المسرح في درَّة الفرات عام 2006 بمهرجان الشعر العربي، في تلك المدينة التي تعني لي الكثير ولي فيها الكثير من الذكريات الجميلة، وبعدها توالت المشاركات من تركيا إلى بيروت وبقية المدن.

* “الموسيقى هي المنقذ” كما يقول الفيلسوف الألماني “نيتشه”. هل يمكن للموسيقى أن تنتصر على الموت والأحقاد والضغائن والدمار الذي تعانيه سورية لتؤلِّف القلوب؟

ـ أنا أقول: أرطِّبُ روحي بالنغم كي أحميها من اليباس، تموت روحي بلا نغم، والموسيقى توظَّف اليوم لشفاء البشر من أمراض عضال، وهناك حالات شُفيت كثيراً، وبلدنا يعاني من مرض عُضال. طبعاً الموسيقى النظيفة هي التي تعكس الصورة الحقيقية للسوريالية السورية، ولولا أن الغناء والأنشطة الإنسانية التي أقوم بها بدعم من السيدة غادة فغالي في دعم أسر أهلنا المُهجرين خففا عني وطأة الحرب كنت تدمرت نفسياً.

* يرى “بيتهوفن” أن الموسيقى وَحْيٌ يعلو على كل الحِكم والفلسفات، كيف تراها بادية حسن؟

ـ أولاً تجربة “بيتهوفن” ليست تجربة عادية قطعاً، “بيتهوفن” الذي ألَّف أهمَّ أعماله بعد أن فقد سمعه يُثبت لنا أن الموسيقى كائنٌ روحي، كان يؤلف من خلال روحه أجمل موسيقى، وتتقاطع روحي كثيراً مع هذا الكلام، فالموسيقى ساعدتني على تخطِّي أزماتٍ كثيرة وكبيرة في حياتي، وإحدى هذه الأزمات كادت أن تودي بحياتي، واستطعت من خلال النغم الجميل أن أتجاوزها وهي أزمة مرضية شفيت منها تماماً بالموسيقا.

* كيف ترين الموسيقى العربية الأصيلة اليوم؟ هل فقدت تأثيرها أمام الموسيقى الغربية الصاخبة؟

لا.. لا أؤمن بهذه النظرية أبداً، لأنني مؤمنة بالعبارة التي تقول: (لا يصح إلا الصحيح)، وهذا لا يعني بالضرورة أنَّ الأغنية الغربية غير صحيحة.. بالعكس! أحب الكثير من الفنانين الغربيين، “شاكيرا” مثلاً فنانة جميلة تقدم موسيقى رائعة وأداءاً مميزاً، لكن يبقى لدينا في حضارتنا الجذر الموسيقي العربي وهذا من المفترض أن يبقى موجوداً ونحافظ عليه حتى نعلمه لأطفالنا، لأنه لا يُمكن لولدي أن يتعلم فنَّ الموسيقى لو أراد، إنْ لم يستمع لعبد الوهاب، وعبدو الحمولي، والقصبجي وصباح فخري ومحمد محسن، لأن هؤلاء العظماء هم الركيزة الأساسية لنا، وهذا هو «الجذر الموسيقي»، ولا يمكن أن تمحوه الثقافة الأوربية أو غيرها، ولكن لا يُمكننا أن ننكر أن جيل الشباب العربي تأثر بها، فمعظم الشباب يحبون “الرَّاب” وبعض الألحان الغربية، أنا أحب موسيقى “الرَّاب” أيضاً، لكنني أسمع “شاكيرا”، وأطرب لسماع صالح عبد الحي.

* لمن تغني بادية حسن؟ من هو جمهورك؟ وهل هناك جمهور نخبوي في الموسيقا؟

بصراحة لا أؤمن كثيراً بمسألة الجمهور… أو ما يُسمى جمهور النخبة، من هم النخبة؟

من الممكن أن يكون هناك شخصٌ أميٌّ أُذُنُهُ نظيفة، يسمع جملتي وتصل إلى روحه، وهنا يُمكن أن نُسمّيه «سميّع نُخبوي»… أغني للإنسان، للروح الإنسانية ولكل من يصل له فني شريطة أن يتمتع بالإنسانية، وقبل كل شيء أغني لمعشوقتي سورية.

* أنت تغنين ما تكتبينه، كيف تنتقين كلماتك؟

ـ غالباً ما يترافق اللحن عندي مع لحظة الكتابة، تسألني كيف ذلك؟ لدي إيمان مطلق بـ «شيطان الإبداع» الذي لا تعرف متى وأين وكيف يظهر لك، لكنه الحامل الحقيقي للحظة الإبداع، وكلُّ نصٍّ أكتبه له حكاية واقعية، وهذا سبب ملامسته لأرواح البشر، فهو يعكس تفاصيل حكاياتهم التي يعيشونها فيجدون في تلك الأغاني متنفساً لهم. مثلاً أغنية «الحلم» التي أنتجتها عام 2006 م، كانت تجربة شخصية بحتة وتحمل حالة وجدانية جميلة، وعملي مريم «البتول» هو تجربة شخصية حاز على جائزة عام 2010م.

* مثلك الأعلى في حياتك الاجتماعية والفنية؟

ـ اجتماعياً هناك فلاسفة وأدباء قدموا الكثير.. هم مثلي الأعلى، وكل من يخدم البشرية والإنسانية هو مثلي الأعلى، أبي مَثلٌ أعلى لي، أما فنياً فمثلي الأعلى هم “الرحابنة” وتجربتهم الريادية التي شكلت “لاوعينا” البيئي والثقافي والفني منذ نعومة أظفارنا.

* هناك طرق كثيرة تضمن للفنان الوصول السريع، وهذا بات أمراً واقعاً لا يمكن تجاهله، ماذا تقولين عن هؤلاء؟

ـ هم أحرار. كلٌّ له طريقته في الحياة، طريقته في تقديم نفسه، هناك من يحاول حرق المراحل بسرعة للوصول إلى هدفه الذي قد يكون الشهرة أو المال، وهم ليسوا سوى فقاعات يسقطون بسرعة لأن ما يقدمونه لا يتعدى الاستعراض، وكل ما أتمناه أن لا يشوهوا الكلمة واللحن. بالنسبة لي أنا حريصة، وفي هذا الإطار أحاول الوصول من خلال ما أقدمه فقط وهذا يضمن إنتاج فنٍّ خالد.

* من الهندسة المدنية إلى الفن والموسيقى؟ لماذا؟

ـ عشقي الفن والموسيقى، والهندسة مهنتي، التي درستها بناءً على درجاتي العالية في الثانوية، والمتعارف عليه في مجتمعنا أن الطب والهندسة أهم ما يسعى إليه الأهل بالنسبة لأبنائهم، بعد تخرجي من الجامعة مارست الهندسة المدنية لفترة جيدة إلا أنني عدت إلى عشقي وهوايتي، والموسيقى هي شغفي في الحياة ومشروعي.

* فنانو سورية منقسمون! لماذا لا يُمكن أن يكون هناك حوار ثقافي كمحاولةٍ لإنقاذ ما بقي من سورية؟

ـ لماذا لا يمكن؟! رغم الانقسام الحاصل بيننا والذي لا يمكن أن ننكره، لكن في النهاية نحن فنانون! حتماً يُمكننا الوصول إلى نقطة التقاء تجمعنا. توحِّدُ موقفنا لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من سورية، نحن عائلة واحدة تجمعنا أمٌّ واحدة عريقة، ومن لا يقبل بالحوار من أي طرف أو انتماء كان، هو لا يريد التأسيس لقاعدة سليمة للوصول إلى حلٍّ يحقن دماء السوريين، أساساً الفن يجب أن يكون بعيداً عن أيِّ انتماءات سياسية ويرتبط بانتماءات قومية لأن الفن قضية حرَّة.

* كيف سينتصر الفن وصوت الموسيقى على صوت الرصاص؟

ـ هو منتصر، إذا لم يُسكِت صوت الرصاص لا يعني أنه لم ينتصر، وهنا أذكر عبارة الفنان الكبير “عاصي الرحباني” حين تعرض لاحتشاء، وكان في المشفى، سمع أصوات الرصاص وقال: (على شو مختلفين وصوت فيروز عم يوحدهم)، صوت الفن والموسيقى أقوى من صوت الرصاص وسيبقى.

* غنيت مؤخراً لدمشق وحلب ماذا تخبرينا عن آخر مشاريعك الفنية؟

ـ غنيت لدمشق لأنها تسكن وجداني وغنيت لحلب لأنها قطعة من روحي، وفي كل بقعة من بقاع هذا الوطن تجدء جزءً مني، في الرقّة الحبيبة الرائعة اتألم لما جرى لها، ولا استطيع ان اتخيل تلك المشاهد في الرقّة لأني أعرفها جيداً وأعرف أهلها، أغنيتي في دمشق هي قصيدة الشاعر الكبير محمود درويش، وأغنيتي «يا رايحين ع حلب» هي محاولة لنصرة مدينة العراقة والحضارة، وأعمل حالياً على نصوص للآبنودي سأختار نصاً منها لأغنيه من أجل مصر، وهناك أغنية جديدة «يللا نرقص» كلماتي وألحاني وسأوديها باللهجة المصرية، وأغنية «بقى من كلمة» هي أغنية مصرية قديم سأوديها من جديد كلماتها للشاعر المصري حاتم حسين وألحان صفوان بهلوان، ستكون مصر هي وجهتي القادمة بعد الحفلات التي قدمتها في بيروت على مسرح قصر الأونيسكو، والمركز الثقافي الروسي وفي بعض المدن التركية.

كلمة أخيرة:

ـ هي أمنية أخيرة أتمنى أن تتحقق، السلام لسورية.

مجلة قلم رصاص الثقافية

 

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …