ويليام فارس |
الكبار يرحلون بكل هدوء وطمأنينة بلا أي صخب، لا يثيرون ضجيجاً، هم في موتهم كما هم في حياتهم، وهكذا عاش ورحل العلّامة محمود الفاخوري الذي ودع هذه الدنيا قبل أيام، وأنت تتبع سيرة الرجل الذي شكّل طفرة في عوالم اللغة والأدب والشعر لن تجد سوى العمل والمثابرة والجد والاجتهاد والإنجاز ثم العطاء الأصيل المنقطع النظير، فتسأل نفسك كيف اتسعت الأيام التي عاشها لكل هذا العطاء؟
وأين كان مثل هذا الرجل عنّا لما لم نسمع باسمه من قبل؟
لماذا لم يحتفوا به يوماً؟ ألا يستحق مثل هذا العطاء الثقافي وهذا الإرث الأدبي أن يُحتفى به؟
الأسئلة كثيرة والجواب هو ذاته لم يتغير منذ عقود، منذ أن أصبحت الثقافة والمثقف رهائن بيد الجاهلين الذين تولوا شؤون الصحافة والإعلام، وحولوا الإعلام الرسمي إلى بؤرة من بؤر التطرف الشللي ورمزاً من رموز الفساد المتفشي في بلد مثل سورية.
هذا الإعلام الذي لم يدخر جهداً في نفخ بوالين فارغة في كل المجالات الثقافية من الشعر إلى الأدب إلى الصحافة ذاتها، لم تتسع صفحاته لخبر نعي يليق برجل مثل محمود الفاخوري.
اقتصر نشر خبر وفاته على ما نشرته صحيفة الجماهير المحلية في حلب، وبعد يومين من وفاته نشرت صحيفة الثورة خبر تشييعه بصفحة المنوعات، أما بقية الصحف لم تأتِ على ذكر وفاة الفاخوري الذي خلّف ما يزيد عن ثلاثين كتاباً تُعتبر من أهم المراجع في اللغة والأدب العربي. ولم يشارك أحد في عزائه باستثناء اتحاد الكتاب العرب.
مسيرة طويلة وعطاء لا حدود له رغم ذلك لم يحظَ الرجل بتكريم يليق به لا حياً ولا ميتاً. بالفعل لا كرامة لنبي في وطنه، ولا يُلام إعلام يديره من لا شأن لهم في الصحافة والإعلام والثقافة، ليسوا سوى “نقيشة” تقارير كانت كفيلة بإيصالهم إلى أعلى السلم الوظيفي في قطاع من المفترض أن يكون رقيباً وحارساً يستميت في الدفاع عن المبدعين لا أن يتحول رؤساء التحرير فيه إلى ضباط ارتباط يزجون بكل من يتفوق عليهم إبداعياً ومعرفياً في أقبية الأرشيف أو يجمدونه كما يحدث في صحيفة تشرين منذ سنوات.
العلّامة محمود الفاخوري مواليد مدينة حماه 1933م، عمل مدرساً في جامعة حلب كلية الآداب، ورئيساً لنادي التمثيل العربي للآداب منذ عام 1990م، عضو اتحاد الكتاب العرب، له عشرات المؤلفات والأبحاث والدراسات الهامة في الشعر واللغة والأدب. رحل في 22 حزيران 2016.
موقع قلم رصاص