الرئيسية » ممحاة » نصوص تحك رأسها ببلاهة خلف الجدران..!

نصوص تحك رأسها ببلاهة خلف الجدران..!

زيد قطريب |

هي النسخةُ الظلُّ إن صح التعبير، فإذا ما افترضنا أن لكل شيء في هذا العالم نسختان، فإن ما نكتبه على الملأ أو ننشره هنا، لا يشكل سوى النسخة البائسة من النص الحقيقي الذي يفضّل أن يحكّ رأسه ببلاهة وهو يرى أخاه التوءم منهمكاً بصعود سلم الشهرة أو مدمراً بسيل الشتائم والانتقاد!.

كثيراً ما يقع الشقاق بين نصوص الظل ونصوص الواجهة، تلك النصوص المتفانية في عملها ليل نهار، لا يروقها تحوّلُ شبيهاتها من النصوص إلى عمال في سوق الهال أو تمسيح الجوخ. وإذا ما أرادت تلك الكتابات النبيلة أن تشدّ نسخها المشوهة من المشهد تلافياً للفضائح وتدمير القيم، فإن معاجم الأخرى تستخدم أقصى طاقتها من أجل هدم المعبد على أصحابه ومن ثم الخروج بمظهر البريء الذي ظلمه النقد والقراءات الموضوعية للأحداث!. في كل مرة على هذا النحو، تفكر نصوص الظلّ أن تحجب الثقة عن نصوص العراضة وحفلات الأتيكيت، لكن غريمتها تحسم المعركة من الجولة الأولى جراء براعتها في الغش وشراء الأسماء في التصويت!. نصوص الواجهة حربوقة وتعرف من أين تؤكل الكتف، أما نصوص الظل فهي تحكّ رأسها ببلاهة عندما تراقب المشهد، كأنها متصوفة أو تعيش في نرفانا من العبارات المكتوبة من أجل مجد الكتابة فقط!.

من الأحداث النادرة في التاريخ، أن يحدث اتفاق كبير بين نصوص الواجهة ونصوص الظل!. ذلك الخط الواهي الفاصل بين الأخوة الأعداء، يمكن أن يتحطم يوماً عندما يرتفع منسوف النبل إلى أقصى درجة يتسبب إثرها في حدور مدّ كبير في نهر الكلمات يغطي حينها العشب في حالة يسمونها سنوات الإبداع والخير الوفير حتى على صعيد الأرض الزراعية وتدفق الينابيع.. حالة ربما لا تحدث إلا مرة كل عشرات السنين، وربما يموت الكاتب ولا يرى بأمّ عينه أبناءه النصوص يقفزون من خلف الجدران كي يحتضنوا أخوتهم العائدين للتو من النشر!.

مرات كثيرة، تغرق نصوص الظل بصوفيتها العالية، فهي لا تكتفي أن تزهد بالمال والسلطة فقط، بل تشاء أن تختفي تماماً من المشهد لتترك الساحة فارغة لنسخ التقليد وتلك المصنوعة كفيما اتفق!. نصوص الظل تعرف تماماً حجم الضريبة التي يفترض أن تدفعها عن طيب خاطر، لكنها في كل مرة تبقى الخاسر الأكبر وهي تنتظر أن يُرد اعتبارها دون جدوى!. تلك الكتابات التي تصوغ المجد في كل مرحلة، تجلس البشرية كي ترثيها لاحقاً لكن بعد فوات الأوان!.

لكل قصيدة في هذا الشعر، نسختان، الأولى محفورة بأناة وثقة على لوح من الصخر، وأخرى تشبه الخرابيش أو الهراء الفارغ الذي يتصدر المشهد بعجره وبجره ودمه البارد.. نصوص تحك رؤوسها ببلاهة خلف الجدران، وهي لا تصدق ما يجري، وأخرى تقدم مستنداتها الشرعية ثم تحتل الواجهة كأن شيئاً لم يكن!.

شاعر وناقد سوري | موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …