مناهل السهوي |
لم يكن الشاعر إيف بونفوا من أهم شعراء فرنسا المعاصرين وحسب، إبداع لافت لشاعر وناقد ومترجم وكأن العمل الذي قرأه في سن السابعة عشرة تاركاً أثراً خالداً فيه، لخص منذ البدء مسيرة طويلة لشاعر متفرد حين قرأ وقتها الانطولوجيا السريالية وما جمعت بداخلها من قصائد ورسومات وملصقات لإيلوار وايف تانغي وماكس ارنست وغيرهم والتي فتحت عينيه باتجاه الأدب والفن.
الشاعر الذي ولد في مدينة تور الفرنسية عام 1923 ورحل في الأول من هذا الشهر تاركاً خلفه مكتبة هائلة يبدو لنا وكأنه عاش أكثر من حياة واحدة في حين أن شغفه الشعري لم يتراجع مع تقدمه في العمر ليصدر قبل وفاته بفترة وجيزة، كتابين، أما عن أعماله والتي تعكس تجربة عميقة وحقيقة في الشعر والفن فله العديد من المجموعات الشعرية والكتب النقدية ومن أعماله الشعرية:
(قول في عازف البيانو / دوف, حركة وثباتاً / في خديعة العتبة )، أما أعماله النقدية فمنها (اللامحتمل / البساطة الثانية / آرثر رامبو) ومن ترجماته لشكسبير (هاملت / يوليوس قيصر / حكاية الشتاء) ومع هذا الدفق الإبداعي تصاحبت حياته بجوائز عديدة منها (جائزة غونكور في الشعر/ جائزة الأكليل الذهبي / جائزة فرانز كافكا) بالإضافة إلى أنه رشح عدة مرات للفوز بجائزة نوبل.
الشاعر الذي لم يهرم إبداعياً والذي كان رأسه عالماً كبير للخلق والإبداع المتواصل، واحتفت الصحافة الفرنسية بجديده قبل وفاته بعدة أيام، أحدهما حمل عنوان (المنديل الأحمر) والذي قدم فيه بونفوا مقتطفات من سيرته الذاتية وبعض القصائد القديمة غير المكتملة، وكأن الشاعر الذي حاول للحظة الأخيرة اكتشاف المزيد من عوالم الشعر والمادة والعالم الباطني يهيئ قارئه لنص أخير، ليبدو بحق كأحد الشعراء الأنبياء اللذين يسيرون في خط أكثر وضوحاً مما نظن داخل نبوءة كبيرة.
يلفتنا في بونفوا حسه العالي بوجوب دخول الشعر في كل المجتمعات الإنسانية حين قال في إحدى مقابلاته: “لدي الرغبة الدائمة في خدمة الشعر خصوصاً في المجتمعات التي تتجاهله”، هو الذي رفض أن يعتبر “الشعر صورة من صور الفكر” مؤكداً أن “الشّعر حالة خاصة بحد ذاتها و أن وظيفة الشعر ليست في تقديم صور الحياة اليومية وتحليلها” يبدو فعلاً أن بونفوا شاهد كلية الجمال في الشعر وكأنها المنفذ الأوسع لإنسانيته ومن هنا نلمس خصوصيته حيث لم يملك توجها فكرياً بقدر ما كان جمالياً وشعرياً.
الشاعر الذي بدأ مع اندريه برتون، في بواطن السريالية وانتقل بعدها للمادة والبساطة المجسمة بأشكال هندسية في قدرة لافتة للاستفادة من كل ما درسه لخلط إكسير يخصه للشعر سواء في الرياضيات أو مع غاستون باشلار بما يخص المادة والروح حين كان أستاذه في جامعة السوربون.
ومن الجدير بالذكر أن المكتبة العربية كانت خجولة باقتناء كتبه من خلال ترجمتين فقط الأولى قام بها أدونيس منذ الستينات وصدرت ضمن الأعمال الشعرية الصادرة عن وزارة الثقافة السورية عام 1986 ثم تبعتها في عام 2008 مختارات قام بترجمتها التونسي محمد بن صالح، صادرة عن دار الجمل، بالإضافة لبعض النصوص المتفرقة التي ترجمها البعض ونشرت في بعض الصحف.
لربما يكون وداع إيف بونفوا هزة أخرى للمؤسسات الثقافية العربية لعلها تلحق بالركب الطويل للترجمات وخصوصاً الفرنسية فإن ترجم لبونفوا كتابين فهناك آخرون يجهلهم تماماً القارئ العربي ولا نملك من كتبهم شيئاً.
شاعرة سورية / خاص موقع قلم رصاص