ماذا لو… اجتمعت كل شعوب شرق المتوسط فرداً فرداً في صف مدرسي واحد، واستمعت إلى أستاذ يحاضر في الطائفية وخطرها، لقامت قيامة هذه الشعوب منددة بالطائفية، مفصحة عن فهم عميق لخطر الطائفية، كمرض عضال لا يمكن للذي أصيب به أن يبقى على قيد الحياة، ولأعطوا الأستاذ، دروساً في التسامح والتعايش، شرط أن لا يخالف شرع الله، وشرع الله حسب التفاسير والتأويلات حمالة أوجه، مما لا يفسد للود قضية !. ليصل الجميع إلى نتيجة واحدة تبدو كبديهية مسلّمٌ بها، هي أننا جميعا ضد الطائفية قلباً وقالباً، أعمالاً ونيات، ولكننا اليوم مضطرون على إرهاب الإرهاب الذي يرهبنا، بما لا يفسد للود قضية، فإرهاب قليل، أفضل من إرهاب كثير، أو إرهاب جميل أفضل من إرهاب قبيح، وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع بالبديهة؟ وهذا ما لا يفسد للود قضية، فالمسألة بالعقل!! ولا تحتاج إلى إثبات، ويهم الجميع بالإستطراد، ولكن الأستاذ يقمعهم ويجبرهم على سماعه، إذ لا طريقة أخرى كي يسمعوا تشخيصه للحالة الراهنة، وهو الخبير بأهوائهم وعقولهم، ويعرف تماماً أنهم يبحثون عن تشخيص خصوصي لمرضهم، مرض مناسب يختارونه ويستطيعون العيش (لا التعايش) معه.
فيقول: ماذا لو اقترحت الإصلاح الديني لحل أزمة (التعايش) هذه… تسري همهمة بين الحشود، وهي صوت تحول الحنق إلى حقد، يستطرد: فالعالم خارجاً، بدأ به تغيير حياته نحو الأفضل منذ قرون، ونحن لم نزل… تقاطعه الحشود بكل هدوء وتهذيب حازم، لقد بدأنا قبلهم يا أستاذ، لقد بدأنا قبلهم، بتجديد الخطاب الديني لا بل علمناهم ذلك منذ ابن رشد وحتى محمد عبده والأفغاني ورشيد رضا وحسن البنا و… يقاطعهم الأستاذ بوقاحة علمية، لم أقصد التجديد بل قصدت الإصلاح، هناك فرق ساحق ماحق بينهما، (تسري همهمة بين الحشود) فارق يعادل تماما الفارق بين النهضة والفناء انتبهوا بين النهضة والفناء، يتلاطف الحشد مع الأستاذ ويجيب بصوت واضح. لن نقلد غرباً أو شرقاً، فما لدينا يكفي العالم كله علماً وتشريعا وفناً، لا يتساءل الأستاذ أين هو هذا العلم والتشريع والفن، فهو يعرف لمن يلقي بجواهره، يبتسم الحشد بكافة طوائفه وأعراقه إبتسامة موحدة قائلين: لا تضحك على عقولنا يا أستاذ فما تقوله هو مناورة ومداورة لتصل إلى العلمانية… يعجب الأستاذ بهذا الشعب الذكي ذو البديهة الضوئية… وماذا بها العلمانية؟ كفر بكفر يزمجر الحشد ردّاً، حتى هؤلاء التقدميون اليساريون أو اليمينيون يردّون: ما دامت الأكثرية هكذا فنحن منها ومعها.
يستطرد الأستاذ: ولكن العلمانية تكنولوجيا، مثلها مثل السيارة والطائرة، وفرّامة اللحمة، لماذا تتبنونها وترفضون العلمانية… تهوج الحشود وتموج.. كافر.. كافر، يصرخ الأستاذ خائفاً ولكن ما تقولونه الآن طائفية وقد شجبتموها للتو؟ كافر كافر.. وتندفع نحوه، تتدافع، تدهس بعضها بعضا.. كافر كافر. تهرسه، وتهرس بعضها قائلة:.لقد استتبناك، ولم ترعوي، أيها الطائفي الحقير، الذي تريد بنا شراً ما أراده الله لنا… وإليك القصاص.
في اليوم التالي ضجت وسائل الإعلام جميعها بما فيها الحمام الزاجل، والطارش المرتحل عبر الكثبان، والبريد البحري، وإشارات المورس، أجْمَعَت على حدادٍ شامتٍ بالأستاذ الذي ذهب إلى حتفه برجليه، متطاولاً على حرمة الموت، ولكنها اختلفت على طريقة موته، فمنها من قال بتفجير إنتحاري، والثانية بصاروخ أو هاون، وجزمت الثالثة بأنه قضى تحت التعذيب، بينما الرابعة أكدت حرقاً في قفص، والخامسة والسادسة والساب.. وتفرق الحشد وذهب كل إلى متراسه متابعاً مقاومة الطائفية والإرهاب والكباب… اللهم شماتة.
مجلة قلم رصاص الثقافية