حكمت بوغنام |
لطالما كنت أبتعد شخصياً عن نظرية التعلق بالمكان أو الزمان، و لكن التطور الرهيب الذي يصيب العالم كوباء لا يمكن الشفاء منه إلا بفناء هذا الكوكب، جعلني وبشكل غير منطقي أن أغير هذا المبدأ في حياتي، لعل البعض يرى أن هذا التطور هو في صالح الإنسان، لن أقول لا فطبيعي أن تكون هناك أشياء إيجابية في هذا التطور السريع و الرهيب على كافة الصعد ولكن بالإضافة الى الإيجابيات هناك السلبيات التي رافقت هذا التطور.
لعل أبرز ما صاحب هذا التطور هو إندثار الأغاني العربية ذات المعنى و الموسيقى الجميلة، بالإضافة الى ندرة وجود الأصوات التي تقوم بغناء اللون الطربي، وذلك بسبب تفضيل (العري) الموسيقي إن صح التعبير على اللون الطربي، فقد أصبح الهم الأول لمدعي الفن هو المال و لا شئ غير ذلك، و بالنظر الى تلك الطبقة من الشعب التي باتت تشعر بالعطش اتجاه الفن الأصيل و الطربي، فهم على علم تام بأن هذا النوع من الموسيقى هو الذي يقود الثورة الأدبية و الفنية في عقل الإنسان، هو الملهم و المرشد و المنير لطريق هذا الجيل الصاعد هذا الجيل الباحث عن الذات، هذا الجيل الذي أصبح في وقت من الأوقات مهدداً للنظام الطائفي و السياسي بشكل كبير، وبالإضافة الى الأدب و الفن التي تغنيها هذه الموسيقى فإن الحس النقدي و الوطني و العلماني أيضاً كانوا وما زالوا على إرتباط وثيق بهذا الفن و ما ينتجه، فإذا ما نظرنا الى المرأة في السابق لوجدناها متحررة أكثر و مبدعة أكثر من اليوم بالإضافة الى أن الرجل كان يمتلك من التهذيب الشئ الكثير و هذا كله يعود الى هذا الفن الطربي الذي كما ذكرت كان يروي الروح بأجمل العبارات و الصور الفنية، بل كان الأشخاص في الماضي يقضون ساعات يستمعون الى أغنية واحدة، تكرر فيها المقامات حتى تصل بالمستمع الى حد أنه يصرخ قائلا ” عظمة على عظمة يا ست ” للست أم كلثوم دون الشعور بذلك، فهو وصل حد النشوة الفنية و التي عبر عنها بتلك الطريقة اللاشعورية و التي تفسر مدى عظمة هذا الفن، لعل الكلام عن تلك الحقبة الزمنية أو عن هذا الفن يطول كثيراً لعله لا يوصف بالكلام، لعله بالفعل اندثر ولا عزاء لنا الا بعض الشرائط الموسيقية أو مواقع الانترنت للإستماع لها، لعلي انهض يوما و أجد أحدهم يقول لي من هو فريد الأطرش أو أسمهان من هي أم كلثوم أو عبد الحليم أو أو… لعله حان الوقت كي نستمع للكثير من تلك الموسيقى الرقيقة فقد لا نحظى بفرصة وداع أخيرة تكون بمثابة الفاتحة على روح تلك الحقبة.
صحفي سوري | خاص موقع قلم رصاص