أحمد كرحوت |
أحداث كادت تغير الكثير من المجريات السياسية الراهنة في المنطقة والعالم حدثت وانتهت بظرف أربع ساعات متتابعة كانت صفعة للبعض، ونعيماً ما زالت آثاره ثابتة حتى اللحظة للبعض الآخر, انقلاب سياسي وقمع للانقلاب كل ذلك لم يتعدَ ساعات قليلة إلا أن الصحف والمحطات الإخبارية ما لبثت أن أقحمت نفسها وراح كل يغني على ليلاه بما تقتضي عليه مصالحه الشخصية كالشخصيات السياسية الموقعة عقود سنوية مع الإعلام المرئي “المعاكس” بدءاً من الشاشات الرسمية التابعة لأنظمة معينة وصولاً إلى الشاشات العربية وما تملكه من إمكانيات مؤهلة للتأثير بالرأي العام والشارع العربي خصوصاً سواء كانت مكيدة تصويرية تخبئ خلفها خراباً لاحقاً أو متابعة ميدانية قد لا تتعدى بقعة دخان وهدير يخترق مايكروفون الكاميرا المحمولة .
لم تنتهِ آثار الانقلاب العسكري التركي بشكل كامل خاصة في مسرح ولادته (أنقرة), إلا أن المحللين السياسيين ذاتهم الذين اعتدنا وجودهم على الشاشات وزعوا بدورهم صكوك الانتصار ليس على أحد إلا على من اعتاد متابعة ردود أفعالهم الكلامية وليس أفعالهم, رغم أن الحدث الأخير الذي أشعل الشارع التركي لم يقسم ” إلى حدّ ما ” الشعب التركي إلا انه قسم الخيط الأخير الذي كان يربط اللاجئ العربي والسوري بشكل خاص بأقرانه من أصحاب الرأي الأخر والذين يسمونهم غالبا ” الآخرون ” كشتيمة أو تقليل مستوى فكري عند الآخر فقط لأنه لا يتوافق مع الأول, ليكون الشعار الوحيد الذي اكتسبه السوريون خلال سنوات الحرب وربما قبلها ” أنت لست معي, فأنت حتماً ضدي ” .
شخصيات سورية سياسية وثقافية كانت مقربة من النظام السوري إلى حد كبير اختارت الرحيل عن سوريا بسبب سياستها المناهضة للنظام الداخلي السوري ادعاءً منها أنها ضد تقديس الشخص الواحد, العرف السائد لدى الأجندات السورية المسيّسة لترقيع هفوات السياسة العسكرية, وفي المقابل اختارت هذه الشخصيات مؤخراً تغيير إستراتيجيتها لتشارك احتفالات الشارع التركي رافعين صور الحالم الأخير في إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية , ناهيك عن استغلال بعض هذه الشخصيات الفوضى الأخيرة لتتقرب من أجهزة المخابرات التركية معتبرة نفسها الناطق الأول والأخير لملايين السوريين الذين يقطنون البلاد إلا أنهم ما زالوا يستخدمون تسمية هذا الوجود بـ ( الجالية السورية ) وهذا وإن دلّ فهو ليس أكثر من تأكيد بُعد هذه الشخصيات عن الواقع واقترابهم أكثر من أنهار الدم السوري أيضاً لحماية مصالحهم الشخصية فقط ! .
نعود مرة أخرى لنجد غزارة في السجالات المكتوبة بين مؤيد ومعارض للانقلاب, مؤيد ومعارض لتقديس الشخص الواحد, مؤيد ومعارض لفكرة أن المُجريات الأخيرة ليست أكثر من مسرحية محكمة قد ترتقي لدرجة القدر السماويّ بحيث تخلو من الهفوات وتحمل في طياتها ذروةً مسرحيةً بلا مقدمات أو نهاية !!
المشهد الذي احتلّ المانشيت العريض للصحف العالمية لأيام متعاقبة جعلنا نعيد قراءة أنفسنا من جديد بحثاً عن مكان يجمعنا مرة أخرى حتى وإن كانت الأخيرة برؤية أكثر وضوحا متسائلين : من نحن بين فرحة التي لم تكتمل وعرس لم ينتهِ !!
كاتب وشاعر سوري ـ اسطنبول | خاص موقع قلم رصاص