الرئيسية » رصاص حي » الشاعرة العراقية « منى كريم » في ديوانها « ما أنام من أجله اليوم »

الشاعرة العراقية « منى كريم » في ديوانها « ما أنام من أجله اليوم »

علي ذرب |علي ذرب - موقع قلم رصاص

حينما تكون حياتك المبتغاة أقل حتمية من الشكل الرجراج الذي تتحرك فيه، والأشياء من حولك تتضخم بوادرها في تفتيت ذلك القليل الذي تملكه من أرضية صلبة تقف عليها وسط طوفان من الممكنات المهددة بالتلاشي، وكذلك وقائع تُعلي من نسبة الاشمئزاز لديك فالمحصلة لذلك عزلة تفقدك الحميمية وهي مادة الالتصاق المركزية بمحيطك، لذا سيحتم عليك وبضرورة تامة خلق مادة أخرى تتعكز بها أو منفذ أخر تطمئن له لتمرير مواقفك وقناعاتك وغضبك وتستبدل من خلاله الحلقات المفقودة بحلقات أخرى لإكمال مظهر وجوهر هويتك، ربما أكثر من هذا ما دفع بـ«منى كريم» في ديوانها « ما أنام من اجله اليوم » الصادر في هذا العام عن دار «نوفا بلس», بالسعي إلى الأحلام مرة والوقوف بذراعين مفتوحتين تحت ما يسقط عليها من الأشياء المفقودة في واقعها دون أي تدخل منها، ومرة أخرى إلى التخيّل حيث تكون هي صانعة القرار والمتحكمة في طرد المعوقات التي تزيد من عمق الخسارة وجلب محفزات مثالية تعويضية تزيد من منسوب الاطمئنان بأن الأشياء المُتخيلة هي ممكنة الحدوث ولا شك أن الإمساك بالأحلام والتخيل كسلالم خفية لارتقائها من أجل الصراخ وتفريغ ردات الفعل ورفع لافتات الاعتراض بشكل صريح، رغم أن النتائج وقتية لكنها ذات أثر واضح في النفس بعد العودة إلى حفرة الواقع، ولا شك أنها من خلال ذلك تريد أن تثبت لذاتها أنها معنى يجب أن يكون اكبر,  في قصيدة «سيجارة ضوء» تطرح منى كريم تساؤلاً عميقاً في المسافة بين وعيها وحضورها في الحياة اليومية وغيابها عنها والذي علامته الرئيسية هي النوم التساؤل هو « ما الذي أنام من أجله اليوم ؟ »، وهذا ليس مصدره روح تشبه غلاف الرصاصة أو نقص في أداء مطارحتها للواقع وإنما هو فرض شكل جديد على عملية الممارسة الذهنية كنوع من التأكد بان ما يحدث في نومها هو بعيد عن احتمالية الخفوت وأنه رصين، وبهذا التساؤل تسحبنا من وعينا وغيابه إلى مفهوم الجمعي لنتساءل بدورنا أيضاً ( ما الذي ننام من أجله؟ )، ما هو محصولنا عندما نمارس هذا النوع من الرفاهية؟ هكذا تدعنا نسير معها على وتيرة واحدة لكنها في النهاية تطفئنا جميعا حينما تعلن أن الظلام : هو أن تضع الضوء في جيبك وترحل.

بعد ذلك تنزاح الشاعرة من منطقة الخفي إلى  منطقة المُعلن بتوقيت مقصود ليتشكل بذلك تدريجياً فضاء اشهارياً متمثلا بأغلبية الصرخات وردات الفعل والكتابة جوهرية هنا وحية نتيجة لافتضاض الطرق المغلقة أمام صراعاتها العديدة داخل السرية وهذا تعزيز كبير لمماحكة الخصوصية بالشكل الجمعي وبعض الأسئلة في هذا الديوان تشبه دوائر تحيط بكثير من مسببات ضخمة كانت نتيجتها تصورات مثالية حول الآخر والمهمة التي اتخذتها الشاعرة على عاتقها هي تركيب الانتباه بشكل آخر أكثر حيوية وطبعا منطلق هذه المواجهة هو من اشكاليتها كأنثى وحزمة المعوقات التي تلتف حول ذلك..

لماذا تسرق الوحدة من المرأة إنسانيتها؟

لماذا يصنعون هم تماثيل نحاسية لأصدقائهم,

وأصدقائي يذوبون كتماثيل الشمع؟

لماذا يلعبون الكلمات المتقاطعة بآلامنا

ونرفع أصابعنا لنمنحهم الإجابة؟

لماذا يكونون هم أبناء البلد

ونكون نحن أبناء الكلب؟

لماذا تنبش أمهاتنا القواميس منذ الصباح بحثاً عن شتيمة,

وأمهاتهم يغرقن في لغة أخرى؟

لماذا يقتلون هم الوقت بالثقافة

ونقتل نحن يأسنا بها؟

لماذا تعرف الحاسبة الإلهية

كيف تمنحنا 10 آلام مقابل كل فرحة

ومعهم تضيع الحسبة في عد الأفراح؟

وتستمر في رفع الحدود الفاصلة بينها وبين العالم والعمل بضراوة على توسيع دائرة الإيضاح حيث لا شيء بعد الآن يحد من تدفق المكاشفة, إن هذا العمق في تطوير البحث عن السوالب يتبدى لنا جزءا منه في عملية التصادم مع التاريخ الشخصي للشاعرة, مع الذاكرة الخاصة بها ونتيجة ذلك هو تخالط مكوناتها السابقة مع الطارئ والجديد من مكونات الحياة الجديدة في بيئة أخرى:

* في الثالثة والعشرين من عمرك,

تصلين مع عائلتك الحزينة

وتعتقدين أنك فتاة تذهب للمطارات ولا تسافر

تجلسين في الطائرة محاطة بجنود سود

ينامون ويحلمون بعراقيين اضطروا لقتلهم

خلال 16 ساعة خسرت بلدك للمرة الثانية

بلداً لا يمكن لأحد أن يحبها.

الجامعة تدفع لك راتباً أقل من الحد الأدنى

لتعلمي أبناءهم عن نساء يتزوجن بشكل تقليدي

وعن رجال لم يكتشفوا مثليتهم

تذهبين للفصل كأنك في مقابلة للحصول على فيزا..(من قصيدة الموت كتمثال)

ثم تصّعد الشاعرة خطابها عبر فضاء الإشارة والتصعيد هنا يرتكز على نقطة تحول هامة, نقطة انتقادية حادة لبنى فكرية وسلوكيات مجتمع عايشته والإشارة هي حاضنة هذا التصعيد:

* ياكوماري,

قد يحدثونك بالانجليزية ويعطونك غرفة لك وحدك

لكنهم سيسلبونك ( يونيفيرم ) زهري,

فليس على الجارية أن تكون مغرية بعد الآن.

* لربما ستضطرين لمساعدة الابن

في اكتشاف رغباته الجنسية

أو حتى التضحية

من أجل خيبات الأب الجسدية

في الحالتين , لا تركضين إلى مركز الشرطة

من هناك يأتي كل الآباء والأبناء . ……. (من قصيدة كوماري)

بعد هذه المرحلة تظهر لنا محاولات بتحسين مركزية عالم الطفولة الخاص بها ضمن حاضرها باعتباره الجهة  الوحيدة الآمنة والبعيدة عن ملاحقة التشوه

بانتقائها جزئية ( الرسوم المتحركة ) كمكون أساسي من مكونات الإعداد وكذلك كمستوى آخر لموضوع التخيل الذي اعتنقته كثيمة في الديوان يسمح لها بزيادة مساحة تصوراتها وكذلك تعريف الأشياء تعريفا شعريا يدعم مبرراتها في خلخلة الحقائق عبر المتخيل  وتعاملها مع هذا العالم بطريقة تحافظ على  نقطة المواجهة التي هي انطلاقتها من اجل جعل زمن هذه النقطة زمناً مستمراً:

*ظنت إن الشمس ظهرت لأول مرة في الرسوم الكارتونية

كما أقنعت نفسها منذ الصغر

بأن الشق الكوني الذي قد يأخذها إلى ( توم وجيري )

قد فاتها بسبب محاولتها فهم ماهية الشعر . …… (من قصيدة بورتيه مبكر)

* أحيانا تشرك أخوتها أحلامها,

تحدثهم عن دواء يحول والديهم إلى كائنات صغيرة

عن هجرتها إلى الدنمارك

أو عن سفرها لعالم ( سبيس تون ) …. من قصيدة (بورتيه متأخر)

في هذا الديوان تضع ( منى كريم ) يدها على أشكال عديدة من أشكال الكارثة وكذلك على الفارق الثقافي  الذي تنتجه البيئة العربية كبيئة أصولية والبيئة الأمريكية كبيئة متحررة وهذا عن تجربتها في التعايش مع المجتمع الأمريكي رغم توتر مفهوم الآخر أحياناً عند صاحب الأرض وعندها كوافدة:

* وحدها المغاسل العامة في أمريكا

تحترم التعددية الثقافية

فقد تغسل ملابسك بعد عدوك

واهماً بأن العرق لن يختلط ! …. (من قصيدة في فوائد الحداثة)

ثمة الكثير في هذا الديوان ما يستحق الملاحقة والفحص فضلاً عن وفرة بالخصوصية وعناصر كتابية مختلفة ولا شك أن كل هذا قائم على خطاب شعري مختلف.

شاعر وكاتب عراقي | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

هل زعزعت وسائل التواصل مكانة الكتاب المقروء أم عززتها؟

صارت التكنولوجيا الجديدة ووسائل التواصل، تيك توك، يوتيوب، فيس بوك وغيرها مصدرا رئيسيا للمعلومات والأخبار …