نايف القباعي |
محاولات كثيرة بذلتها ريم زوجة صديقي أغيد الذي خرج من المعتقل بعد سنوات خمس من الإعتقال، في الرد على رسائلي أو على مكالماتي الهاتفية المطولة التي كنت أجريها مع ريم للإطمئنان عنهم و عن أحوال أغيد لأفهم ما الذي يجري و ما الذي جرى له .
كانت ريم تضطر أحياناً للكتابة لي في حالات الضيق الشديد الذي تعاني منه و تبدأ الكتابة بالإعتذار عما ستكتبه وعن معاناتها وتعبها من كل ما شيء، من العمل و الأطفال والأهم أغيد الذي خرج من معتقله “أغيد مختلف و تكاد تجزم أنها لا تعرفه” صامت دوماً معتزلاً معتكفاً أحد زوايا الغرفة التي استأجروها بعد أن تركوا بيتهم مجبرين ومكرهين لدواعِ أمنية بحسب ما ذكره لها أحد عناصر الأمن حيث قال لها حرفياً “عليكم اخلاء البيت زوجكِ إرهابي ولا نأمن جانبه بالرغم من جنونه و من كان المفترض أن يتم إعدامه و لكن مكرمة الرئيس شفعت له و لكم و أنتم لا تستحقون إلا الموت.. عليكم مغادرة البيت خلال اسبوع واحد و إلا ..”
لم يمضي الأسبوع إلا و انتقلت وأولادها الخمس وزوجها للسكن في غرفة هي في الحقيقة قبو للتخزين في احدى ضواحي المدينة البعيدة، تبرعت به صديقة لها في الوظيفة التي تعمل بها.
كانت دوماً ترسل لي الرسائل ودوماً لا أجد ما أستطيع الرد به على ما تكتب و كتبت.
أصر دوماً عليها أن تغادر البلد و من الممكن أن أساعد في تأمين بعض الأموال سأستدين وربما سأتحدث إلى كل الأصدقاء للمساعدة في جمع مبلغ يأمن لهم الخروج الآمن.
كانت ترفض دوماً و تصر على أنها لن تسافر و أولادها و تترك أغيد لمنعه من السفر خارج البلاد الرجل الذي عاد إليها طفلاً لا يتكلم و لا يفعل شيئاً سوى البكاء و في مكانه الدائم خلف باب الغرفة يجلس القرفصاء و ينام في بعض الأحيان على نفس الوضعية، تقول: “لم تزل روحه أسيرة أنه سجين لم يزل”.
في رسالتها الأخيرة قالت لي فرحة: اليوم عاد إلينا أغيد..
أغيد تكلم و تحدث إلي و عانقني و بكى طويلاً و تحدث مع الأولاد، كم أنا سعيدة.
قلت لها: إذاً علي أن أكلمه أرجوكِ.
ردت علي بفرح سأحاول لاحقاً نحن في شوق له، ثق بأننا نحتاجه فعلاً و نشتاقه .
في مكالمتها الأخيرة قالت:وهي تكفكف دمعها: “لقد اعتقلوا أغيد مجدداً كان من المفترض أن يتحدث إليك”.
لم أجد من الكلمات ما يتناسب مع الموقف، بكيت و أنا أستمع إلى تفاصيل الأسبوع الأخير لأغيد توقفت عندما قالت لي :”إنه في زنزانته الإنفرادية سمع صوتك و أنت تصرخ تحت التعذيب عندما تم اعتقالك بعد شهر من اعتقال أغيد وأنه كان سيعتذر إليك في المكالمة التي كانت ستتم”.
وقالت أيضاً :”أغيد كان السبب في إعتقالات جُل أصدقائه لم يستطع أن يتحمل كل العذاب الذي ناله فسرد أسماء كل من عرفه و من لم يعرفه.. و كان اسمك أول الأسماء التي ذكرها..كان سيطلب منك الصفح”.
“سامحه” كانت كلمتها الأخيرة و انهت الإتصال فكانت على ثقة أني لن أستطيع الكلام.
تواصل بكائي و صراخي و أنا أردد: و أنا أيضاً بُحت بكل الأسماء واعترفت عليه وعليهم وعلى نفسي سامحني يا رفيق العمر.
كاتب سوري ـ السويد | خاص موقع قلم رصاص