حبيب أديب شحاذة |
ليس منطقياً بعد مرور ست سنوات من تاريخ الصراع السوري أن نبقى نعالج «الأزمة» بالرصاص فقط, فما حدث ويحدث ليس صراع عسكري بحت فقط, وإنما له خلفيات اجتماعية وثقافية و فكرية دينية متداخلة ببعضها البعض, والتحديات اليوم تتجاوز كل الطوائف والمذاهب في عالم افتراضي تصعب فيه السيطرة فعلياً على تدفق المعلومات, فنحن مطالبون بتوظيف كل إمكاناتنا من وسائل الاتصال والمعلومات في تنمية وخلق منظومة ثقافية قيميّة.
ودون الدخول في تاريخ الحركة الثقافية في سورية, نستطيع القول بأنها كانت تتخبط وتتضاءل بشكل كبير ومستمر, وتسير بدون استراتيجية ثقافية تنطلق من وظيفة الثقافة في تشكيل الهوية الوطنية ” ضعف الأداء المؤسسي”, واللوحة الثقافية السورية كانت مشوهة في ظل الهياكل الثقافية القائمة.
نتيجة (الأزمة ـ الحرب) غاب الفعل الثقافي الحقيقي عن الساحة السورية وتدهور أثنائها, إلا فيما يتعلق باستمرار الأنشطة والفعاليات الثقافية, مما انعكس سلباً على الواقع الثقافي, وتحديداً لجهة عدم القدرة على محاربة فعل الإرهاب فكرياً, كما يحارب عسكرياً, حيث لا نجد برامج ولا ندوات تنتقد الفكر المتطرف الذي يبيح الذبح والقتل والذي بدأ ينتشر بسطوة تنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة التي أخذت تعمم ايديولوجيتها وتخاطب العقل وليس العاطفة فقط.
والجدير بالذكر أن ما يقوم به الدعاة “حماة العقائد” في ترسيخ مفردات ثقافة معينة تحت ذريعة نشر الثقافة وترويجها والحفاظ على الهوية الوطنية, ومواجهة التحديات أو مواجهة مفردات ثقافة الآخر هو عمل مدمر على المدى المتوسط, وهو ما كان سائد قبل الازمة- الحرب, مما خلق مجتمع مأزوم ثقافياً ولا ينتمي إلى إطار فكري وطني واضح وناضج.
ولا شك في أن انتشار ثقافات تحريضية وتكفيرية, ضمن أرضية خصبة للإرهاب والتكفير, كان نتيجة غياب أو إهمال لموضوع الثقافة وعدم إيلاءه أية أهمية, إلا في اتجاه واحد فقط, وهو نشر الفكر القومي والبعثي الذي أصبح خارج سياق التاريخ, وخارج السياق السوري المتشكل حديثا.
ربما فاتنا في سورية أن المؤشرات الثقافية كالإنتاج الفكري والأدبي والفني وعدد الصحف وقراءها وعدد المكتبات والمتاحف والندوات ومواقع الانترنت ومستخدميها…. الخ, أصبحت من معايير قياس تطور مستوى المعيشة ونوعية الحياة.
من هنا يجب الانطلاق نحو تأهيل وتنمية وتصنيع الثقافة لتكون فاعلة في تحقيق المصالحة والسلم الأهلي عبر تشكيل فضاء مشترك للفاعلين الثقافيين السورين, فالثقافة تملك القدرة على لعب دور في مرحلة تزداد فيها عوامل تقسيم المجتمع,وتبقى الكلمة أقوى من الرصاصة وتحفر في الرأس والفكر, في حين الرصاصة تقتل الرأس والفكر, فإنقاذ الثقافي من أزمته سيكون الأساس والمدخل في إنقاذ السياسي من خرابه الايديولوجي, وبالتالي تهيئة العوامل الموضوعية للحديث عن تنمية ثقافية اجتماعية فاعلة( انقلاب ثقافي) ينتج مستوى رفيع من الثقافة المتنوعة, والشاملة لكل مكونات المجتمع.
مجلة قلم رصاص الثقافية