الرئيسية » نقار الخشب » دوبلاج الدراما: تجارة الأصوات

دوبلاج الدراما: تجارة الأصوات

تُرى أي أبوة فنية خلقت ذاك السوق التجاري الضخم للأعمال الأجنبية؟ سواء كانت تركية أم مكسيكية أو غيرها؟ أليست هي عولمة بصرية بشكل أو بآخر..؟ ربما اختارت شركات الإنتاج تصدير أعمال من كل أنحاء العالم بسبب قحط الفكر المحلي أو العربي وعدم مقدرته على تقديم أعمال درامية مختلفة، فتكلفة دوبلاج عمل واحد تساوي تقريباً ما تكلفه ميزانية مسلسل من الصف الأول تقنياً وفنياً، إلا أن لعبة الكسل وكسب الأرباح على حساب (الإنفتاح) جاءت من حظ النجوم الذين لم يجدوا على ساحة الشاشة العربية مكاناً لهم، فاستخدم أبسط امكانيات الممثل لتقديمه على هيئة صوت وسلخ هويته الفنية ببساطة شديدة، أو كما سماها أحد الممثلين السوريين (الدوبلاج هو كسب رزق بضمير…!) وهو من أكثر الفنانين الذين تجدهم (محشورين) في الأدوار الثانوية، لم نجد نجوماً كباراً قاموا بدبلجة أي عمل، كل من يعمل هنالك هم فقط اللذين اعتلوا خشبة الدراما ولم يفلحوا، فأصبحوا يقدمون ما يمكن من مبررات أمام حضور (العملة الصعبة)..

لم تقم الأعمال الدرامية المدبلجة عن اللغات الأخرى حسب ثغرات معينة أصابت الدراما السورية، على العكس إنما ساهمت اللهجة المحكية السورية بتواصل الناس مع معظم تلك الأعمال، لعل أبرزها الآن تلك الموجة الكبيرة من الأعمال التركية والهندية المتناثر على شاشات الفضائيات، فالهوية السورية كصوت أصبحت زوجاً شرعياً للصورة والموضوعة الأجنبية سواءً أكانت تلك القضايا الحياتية المتناولة عبر المسلسلات التركية بالتحديد تتقاطع مع قضايا المجتمع واهتماماته أم لا، فالمسألة لا تتعلق بطبيعة المشكلات المطروحة على شاشة عربية بدوبلاج سوري، بل هي حالة فصام تكشف عن فسحة فنية مفاجأة جعلت من صناع أهم دراما في العالم العربي هم مجرد أبطال من صوت لا يقنعهم ربما وخصوصاً ممثلي الصف الثالث وما دون، فارتباط اللهجة بالصورة الظاهرة أمام المشاهد سوف تحتم جدلاً رغبات عارمة في تجريب مثلاً (العشق الممنوع) لتدرج موضة الخيانة الإنسانية والاستمرار بها تحت تسمية (العاطفة) لا اعتقد أن ساذجة تصدير مثل هكذا أنماط من تجارب الحياة المنحلة اجتماعياً هي فتح على صعيد الفكرة والتناول، بل هي مجرد اختراق أبله لمحظورات المجتمع، وخصوصاً حين تتحول شهوة الأسئلة إلى أرض الواقع والبحث عن إجابة، فبقدر ما يفتح المسلسل المدبلج انحطاطاً فكرياً بقدر ما تُمتع الناس بالمناظر الطبيعية فيه والديكورات الفارهة التي يمثل ضمنها، كل تلك أحلام تناسب المشاهد العربي وتلبي حاجته من دوافع التجريب حتى لو كان (العشق الممنوع) ضد الإنسانية..!

لم يعد بالإمكان ضبط هذا المشهد بعقلية التريث والتأمل، إلا إذا أراد المشاهد أن يتعايش مع فصام نفسي أثبت بأكثر من عائلة تتعاطى المسلسلات التركية بدل الأكل والنوم والثقافة وربما الحياة..! هذا الظهور المفاجئ الذي يترك أسئلة كبرى من قبيل هل يدبلج الأتراك أعمالنا السورية مثلاً، أو هل تقوم الشركات الكورية بدوبلاج الأعمال الدرامية الأردنية، هل تقوم أي شركة أجنبية بشراء (باب الحارة) أو (صرخة روح) لعرضه باللغات الأربعة عشر العالمية..؟ بالتأكيد لن ينظر أحد من أولئك بمنظور دوبلاج تنويري، فنحن نتعلم من حكم الدراما التركية المدبلجة أسمى التصرفات الأخلاقية (النبيلة) التي تكسبنا خبرة حياة لو فكرنا بالعيش في تركيا أو أوربا.. ولكنها لن تمنحنا سوى سعرات الكسل المستمر، وملايين إبر التخدير الثقافي.

مدير التحرير 

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

“السينما والتسامح” مهرجان تونس الدولي للفيلم الوثائقي

تنطلق الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي والدولي يوم الخامس عشر من الشهر الجاري ويستمر …