عامر العبود |
خضعت هذه المادة لإعادة صياغة جذرية، بعد أن كانت ناضحة بالشتائم، تفوح منها رائحة الكراهية، تعبّر عن كاتبٍ حاقدٍ! لكن تبعاً لسياسة التحرير فلا يجوز الهجوم دون استدلال وشواهد، وفي هذا حق، بل نصيحة قيمة، لا بد من إبراز حجة في وجه المتهم، لا بد من ذكر الفاعل والمفعول به ومن حرض وسهَّل وقوع الحدث، خاصة وأن الحدث جلل، وله أسباب وقوعه الظاهر منها والباطن، كما له أسباب استمراره، إنها صناعة الرداءة الثقافية.
أما الرديء في كل فن؛ فما من عصر إلا وعرفه، وإن تفاوتت الرداءة في طغيانها على الوسط الثقافي بين مد وجزر، وأما القيم من كل إبداع فهو يبقى دائماً وأبداً، فلا خوف إذاً من خلود الرديء واندثار الحسن، لكننا أمام معطيات مختلفة، أمام انحدار كبير في النوع، وتهافت عظيم في الكم، لنقل مجازاً أن هذه الظاهرة نتيجة موضوعية للانفجار المعلوماتي العظيم، ولثورة التكنولوجيا والاتصالات التي يبدو أنها لن تتوقف قبل أن تجعل من الناس نسخاً طبق الأصل بعضهم عن بعض، ولنتفق أن وجود اختراع مثل (الفيس بوك) لا بد أن يخلق آلاف المهووسين الذين اقتنعوا ببساطة أنهم تخطوا كونهم بشراً عاديين، بل دخلوا طور النبوة!
كيف لا؟ وإذا قام أحدهم بنشر صورة لثيابه الداخلية مذيَّلة بعبارة منمقة وخليعة في آن، سيحصل بلا شك على سلة من اللايكات والتعليقات التي ستثبت له أنه شخص استثنائي، وأن ثيابه الداخلية أهم من كل المعلقات والقصائد والكتب والنظريات والأفكار.
تحت عنوان (درس القراءة) كتب محمد عبد العزيز في مجلة الأزمنة العدد 439 في صفحة (رأي) مستخدماً الشخصيات التي كانت في كتب القراءة للابتدائية في سورية: “قال مازن اخرسي ولك whore، قالت ميسون واحد متلك بيخرس يا خنزير، قالت رباب loooool، قال باسم XOXO”.
في موضع آخر من ذات المادة التي لا تتعدى مائة وخمسون كلمة منشورة في صفحة كاملة: “صفع مازن ميسون وقال عميلة، فركت ميسون بيضات مازن وقالت خائن.. صار الوطني الشريف المؤيد بيطلق عليه هيك، صرخ باسم آخ آخ، فهب الأخوة، قالت ميسون خرجك، واختفت”.
كي لا يقال أننا اختصرنا، إن ما ذكر ثلث المادة المنشورة على صفحة ملونة لماعة مرفقة بصورة درامية للكاتب! الذي يتحول إلى شاعر في عدد آخر:
“أقل بشاعة
هذا العالم
عندما نتناول العشاء برفقة صديقة مثيرة
دون علمنا أنها ليزبيان
أقل بشاعة
هذا العالم
حين يزداد قبحه وضوحاً
أمام مؤخرتك الجميلة
وأنت تمرين من أمام محكمة أمن الدولة
رغم المخاوف
بإلحاق الوهن بنفسية الأمة”
ويذَّيل الشاعر قصيدته بثلاثة أسطر: “بانتظار الحرب الأهلية أجلس بفارغ الصبر خلف معمل برسيل لأردي حبيبك بطلقتين في القلب.. لأن العكروت لا يحزن كما ينبغي لفقدان أزرار قمصانك في آلة الغسيل كما كنت أفعل وأحزن على أزرار فساتينك كمسحوق يفتقد حبيباته الزرقاء، تباً لقد هرمنا، لن أشترك بعد الآن بباقة يا هلا شباب يا أوغاد”.
قد نغض الطرف عن انعدام أي قيمة مضافة في النص، جمالية كانت أم فكرية، حيث تنتهي “القصيدة” دون أن تترك أي أثر قد يفوق أثر – بوست- لإحدى فنانات العصر الصاعدات، لكن ألا يجب أن يكون انتقاء كلمةٍ “شوارعية” محكماً ضمن سياقٍ يسمح لا بل يتطلب وجود هذه الكلمة دون غيرها، وإلا انتقلنا إلى تحويل الشعري لعادي بدلاً من تحويل العادي إلى شعري؟ من جانب آخر تضعنا هذه النصوص أمام سؤال
مصيري عن دور النص الشعري في الحياة الثقافية، فإذا تمكنّا من تجنب اتهام النص بالإفساد، لن نجد له هدفاً أو معنى إلا رسم ابتسامة باردة على وجه قارئ صدفةِ عجول، حتى أن من يدرك قيمة الشعر ليخجل أن يضع مجرد “لايك”، كما أنه يجب فهم وجهة نظر التحرير في المجلة بوضع هذه الطلاسم في صفحة الرأي! وهي لا تعبر عن رأي أو فكرة بلا جملة واحدة مفيدة!
هذا النص وغيره، يضعنا أمام واقع مؤلم، يتمثل أولاً: بتسرب مثقفي (الفيس بوك) نحو المطبوع الورقي، ثانياً: تشويه مقصود أو غير مقصود للذائقة لدى القراء، خاصة المبتدئون منهم، ثالثاً: وليس أخيراً، نحن أمام جريمة بلا مجرم، ومحكمة بلا قاضٍ، حيث أن القيمين على النشر يختبئون خلف احترام المنجز الثقافي والسماح له بعرض نفسه أمام الجمهور، دون أن ينصّبوا أنفسهم كحكام، أو من منطلق “الجمهور عاوز كده”، هكذا يرفعون المسؤولية عن عاتقهم، ولا يرمونها على أحد!.
ما هي وجهة نظر الكاتب خلف علي الخلف وشركة لولو الأمريكية من نشر ديوان كامل من هذا النمط تحت عنوان قصائد بفردة حذاء واحدة:
“لا أدري كيف كنت أحبك يا قيموعة
رغم أنك لا تستحمي إلا قليلاً حتى أن
رائحة دورتك الشهرية
تظل لاصقة بك لأيام عديدة
كل ما شممتها قلت:
العادة الشهرية
لقيموعة قدر منفرج الساقين
في لقاءاتنا العرجاء كنت تلبسين
الـ (لانجري) والذي لم يكن سكسياً
أو مثيراً لـ الجنس على الإطلاق
كما أنك لم تغسليه منذ القرن الفائت
حتى بدأ يشبه الزمن نفسه
وكلما ارديته أهتف : لقد ارتدت
الـ (عرب)”.
الأغرب أن القصيدة تستهل بإهداء إلى السيدة فيروز بمناسبة عيدها السبعين!! ما الذي يريده هذا الـ(شاعر)!! أي قرف يحاول أن يولده؟ هذا الأسلوب الركيك الذي يعتمد على جمع قمامة الكلام دون أن تحمل في طياتها أي هدف، دون أن ترمي بمعانيها أي مرمى، كما أن الكاتب يصر على استخدام العبارة السوقية الجنسية دون مبرر، وهنا لا نتعصب للغة الفصيحة على اعتبار الكاتب من دعاة التمرد على الفصحى وإدخال العامية إليها، بل نتعصب لمفهوم الشعر نفسه، فهذه الكلمات محاولة نصف ناجحة لتشويه ثقافة جيل بأكمله، وما شأني أنا بـ”كيلوتها”؟
تحت تأثير هذه الكلمات كتبت مادة مليئة بالشتائم، حذفت أغلبها احتراماً لضرورة الإشارة إلى المذنب بعينه، لكن بعد الإشارة نورد الشتائم:
المهرجون، البغاء الفكري، العهر الأدبي، النخبة تغذي البغاء الكلامي والثرثرة في مجتمعها، المشوهون، المدّعون…إلخ.
صحفي سوري | خاص مجلة قلم رصاص