شادي قاسو |
أدهشني سائق مركبة الأجرة المسنّ بخبرته الواسعة وحنكته الجليّة في الحياة عموماً، وفي فهم المرأة خصوصاً، من خلال الحديث الذي دار بيننا أثناء عودتي إلى المنزل في منتصف الليل منذ أيام..
كان قد بادر إليَّ بالحديث بعد ما لمح روايةً كنت أحملها بين يديَّ بعنوان زوربا عندما قال: خيار موفق…
أجبته باقتضاب: لم أقرأها بعد يا عم…
كتاب رائع، واصل السائق، في الحقيقة لن يعرف الإنسان الطعم الحقيقي للحياة إن لم يطلق العنان لزوربا القابع في دواخله!
هل سبق وقرأتها؟ سألته بفضول؟
بالطبع، وقد تأثرت بشكل شخصي بهذه الشخصية الاستثنائية.
صمت لبرهة وتابع: زوربا إنسان ذكي عرف كيف يعيش حياته بأسلوبه الخاص بعد أن حطّم كل القيود التي قد تحول بينه وبين نموذج الحياة التي يتمناها.
إنه شخص رغب في أن يعيش حياته بشغف، وقد عاشها بالفعل كما يحلو له وبكل بساطة…
وبينما كنت أسترق النظر إليه بدهشة، قال لي: لن أحرق لك تفاصيل قصتها، أتمنى لك قراءة ممتعة.
وتابع: اسمعني يا عم، إذا أردت ألا تشعر بالندم في الستين من عمرك على عمرٍ ضاع منك بدون فائدة فاحيا كما تشاء، وليس كما أراد لك الغير أن تعيش…
فاضحك، واصرخ وارقص، وابكِ ولا تبالي بالآخرين أبداً.
أدرك من نظراتي المتعجبة إليه مدى استغرابي به، فقال: أظن أنك في حالة استغراب بسبب الكلام الذي تسمعه من هذا العجوز القابع بجانبك…
أجبته باندفاع: بالطبع لا، ولكنني أرفع لك القبعة احتراماً بكل تأكيد.
ردَّ مازحاً: ولكنّك لا ترتدي أي قبعة! وضحكنا معاً…
صمتنا لبضع ثوانٍ قبل أن يسألني مجدداً: أمتزوج أنت يا بني؟
أجبته بمقولة لنيتشه والتي تقول: المرأة فخ نصبته الطبيعة، وتابعت قائلاً: ولذلك، لن أقترب من هذا الفخ أبداً إن لم أدرك عواقبه جيداً…
قاطعني بقوله: المرأة فخ لمن أراد أن يتحاذق عليها فقط، وهي بمثابة الجنة لمن يفهمها ويعطيها من قلبه…
ألم تسمع ما قاله لورد بايرون عن المرأة؟
أجبته برأسي نافياً، فواصل: كلّما زاد إيمانك بذكائك سهل على المرأة أن تخدعك.
وأنا أقول لك إذا أردت أن تفهم المرأة جيداً، وأن تملكها إلى الأبد، فعاملها كما لو أنها نعمة من السماء وأتت إليك، واعتبرها وردة في حديقتك، واسقها دوماً لكي تراها أجمل…
أضفت قائلأ: أو ستذبل؟
تابع بتهكم: لا، إن المرأة لا تذبل، إنها تزهر فحسب… فإما أن تزهر لك إن حافظت عليها، أو لغيرك إن أخطأت في التعامل معها.
بدا لي ساهماً في تفكيره للحظات، قبل أن يعاود كلامه: اسمع كلام هذا العجوز الذي أفنى حياته محاولاً فهم الحياة يا بني، وخذ منه ما شئت ودع ما شئت…
تمتمت قائلاً: كلامك كالذهب يا عم…
أردف بثقة: حاذر أن يغريك فولتير بقوله: المرأة كالبحر.. مطيعة لمن يقوى عليها وجبارة لمن يخشاها… أشعل سيجارة ببطء وعاود الحديث: المرأة كالبحر فعلاً، ولكنك إن استقويت عليها أغرقتك، وجاءتك المتاعب من كل حدب وصوب، وإن حاولت أن تراضيها من بعد هيجانها ذاك، فإنك لن تحظى بأية نتيجة مرضية، لأن السيف سيكون قد سبق العذل، لتجد نفسك خارج حساباتها نهائياً.
كنت أتابع كلامه مشدوهاً بكل حرف يتلفظه، فبادرته القول: أتمنى أن أمتلك فلسفتك في الحياة في أحد الأيام.
فأكمل ساخراً: لولا متاعب الحياة ومشقاتها يا بني لرأيتني متفرغاً للكتابة منذ زمن بعيد علّني أحقق حلمي الطفولي بأن أصبح كاتباً مرموقاً، ولكن من يدري؟ فقد أحقق حلمي في يوم ما، رغم أنني بدأت أشعر بدنو حتفي.
قاطعته بقولي: أمدّ الله بعمرك يا عم، قبل أن يركن مركبته على يمين الطريق معلناً وصولنا إلى وجهتي.
قمت بشكره على كلامه الرائع الذي قلّص مسافة الطريق وغادرت…
وما إن وصلت إلى البيت، حتى أبدلت ثيابي مسرعاً، وبدأت بتدوين تفاصيل هذا الحوار الشيّق مع السائق الحكيم.
هامش: كل ما ورد من سيناريو اللقاء محض خيال، ولكن الحقائق المذكورة هي خلود الفكرة والتجربة بأقلام لا تموت..
سوري مُقيم السويد | خاص موقع قلم رصاص