الرئيسية » إبــداع » الجنس.. في مباركة الباله والحرب

الجنس.. في مباركة الباله والحرب

إنها السيجارة العشرون .. علبة السجائر قضت نحبها في ساعات قليلة.. الظلام الدامس وأكوام الملابس البالية القادمة من أوروبا كانت تخيّم على كل شيء .. إنها المهنة الوحيدة التي أورثني إياها أبي الغريق على متن زورق للاجئين كان متجها نحو إيطاليا .. كنت أختبي دائما خلف أكياس الملابس البلاستيكية و أراقب ما يجري في الخارج بصمت ..

كنت أراقب الجنود وهم يختبئون خلف أكياس الرمل و يصوبون بنادقهم هنا وهناك.. أنا أيضاً أختبئ خلف أكياسي الخاصة .. ” لا فرق .. كل إنسان يختبئ خلف ما يحميه فيكون بمأمن مما يخف..”، قال لي أحد الزبائن ذات يوم.

دخلت إحدى الزبونات وكانت “منقبة”, تركتها “تنبش” في أكوام الثياب الداخلية.. كانت تبحث عن سوتيان يليق بأثدائها المنمقة.. لم أعرض خدمتي عليها .. ” رواد مخازن ثياب البالة لا يطيقون مساعدة من أحد.. جاؤوا لينبشون كالقطط الجائعة.. لا طائل من ذلك ”  قال أبي منذ زمن ..

لكن شيئاً غريباً حدث اليوم .. ترامى إلى أذني صوت صراخها من الغرفة المجاورة … ركضت لتتبع الأمر فوجدتها تعض على أنملها الأوسط وعيناها مغرورقتان بالدموع .. و ما أن اقتربت منها حتى ألقت بأناملها في كفي .. ” تباً لها من شوكة .. هل من معقم عندك ؟! ” قالت المرأة ..

لكنني لا أقتن أياً من هذه المواد يا سيدتي .. وما أن انحرفت عيناي صوب الخزانة الخشبية حتى تذكرت قارورة الويسكي خاصتي .. لا شك بأنها تصلح لتعقيم الجروح على اعتبارها تعقم الدماغ من القاذورات و ضحكت بصمت..

لحقت بي وجلست على كومة صغيرة من ملابس الأطفال.. ثم أردفت: ساقتني الحرب لأمكنة غريبة.. لا أعرف شيء عن هذه المدينة.. ونظرت بحيرة ..

ثم تابعت: زوجي قُتل.. ولا أولاد عندي..

” الحمدلله “.. لأنكِ لم تستخدمي رحمك  وتشردي أطفالاً أكثر ممن تشردوا..

 الساعة الثانية بعد الظهر.. انطفأت اللمبة الوحيدة وتوقفت المروحة عن الدوران..

“كالعادة .. أحدهم استهدف محطة التوليد بقذيفة هاون ” قالت المرأة ..

جميعنا نستهدف بعضنا البعض.. إنه لأمر اعتيادي ..

قطرات العرق تنساب بقوة.. الجو حار حدود الجحيم…. خلعت نقابها وتنفست بقوة.. نحترق دونما فائدة  تباً لها من حياة.. قالت بتململ ..

” لنجرع كأسين من زجاجة الويسكي تلك إذاً و لنستمتع بأجسادنا .. لا شك إن شربت هذه ستحيلك لشمس متقدة يا عزيزتي !! ” قلت بشغف

ثم وضعت فوهة الزجاجة في فمي  قالت ما العيب في ذلك ؟؟ اشرب ..

ارتفعت حرارة المكان.. و ازداد الأمر سوءاً.. نظرت لها فوجدتها تخلع ثيابها الخارجية وما أن انتهت حتى جلست بقربي, سرقت سيجارتي من فمي وقطفت قبلة سريعة ….

” هذا المكان غير مخصص لهكذا أمور يا سيدتي “

فأجابت : الكل يختبئ خلف متراس يناسبه ويفعل ما يحلو له.. ونحن أيضاً.. ما الضير في استمتاعنا بأجسادنا خلف أكياس الثياب الأوروبية تلك !؟ .. يكفي أنها أوروبية .. تمنحك الدف إذ أنها تبارك هكذا نوع من العلاقات.

واندثرت بقوة في أجزائي .. جعلت من خصل شعرها البني ميناء ترسو عنده سفن الرغبة ومن شفتيها مطاراً ملتهباً تقلع منه طائرات الشبق..

لم يعد يعنيني انقطاع التيار الكهربائي ولا حر الصيف.. لم أعد أستسيغ البيع ولم أعد أفكر فيما ستكون ردة فعل والدي الغريق لو علم بهذا….

أظنه سيغرق مثلي .. نعم ..

 سيغرق…..

موقع قلم رصاص الثقافي

عن أيهم أدهم الحليبي

أيهم أدهم الحليبي
مغترب سوري، درس اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق والدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية، يكتب القصة القصيرة والنصوص المسرحية، فازت قصته "بوح الحرب" في مسابقة تلك القصص للإبداع بدورتها الأولى 2018، وصدرت في كتاب خلال معرض بيروت للكتاب 20، بالتعاون والتنسيق بين دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردنية ودار انتركونتيننتال الصينية للنشر وموقع تلك الكتب الصيني.

شاهد أيضاً

سرابٌ بطعم الوطن

دَعُوهَا ليّسَ لَهَا مُسْتَقَرٌّ في ظلال ِ الياسيمن سرابُهُم في كفِّه وطنٌ التيه: هل من …