نزار الأحمد |
من الرمادية اللونية المترفة بالذهول والمجهول أفتعل لي مدخلآ إلى العوالم الجديدة للفنان والصديق نهاد عبد القادر الذي أحسبه يهش بريشته المتخمة بالمدى على إنفعالات الحداثة وما تبعها من أحداث عاصفة ضربت المنطقة، خاصة في آخر ستة أعوام مع ما بات يعرف بالربيع العربي، حيث أفضى هذا الإنهيار في المفاهيم وحالة الفوضى التي تستشري حالياً في سورية إلى خلق بيئة مضطربة للفن أجبرت معها كثير من الفنانين على المغادرة القسرية من البلد وإلتحاف الشتات بما يحمله من آثار لا يمكن لها إلا أن تحفر عميقآ في النفس والوجدان.
كذلك ستترك بصمتها وبقوة على أي عمل في الجغرافيا البديلة للوطن الأم مع نوازع الحنين والعودة والبحث عن نجاة داخلية وكلية، حيث لابد أن تتورط الريشة بهذه اللعبة القاسية..اللعبة الوجودية التي تجذب اللون ليساهم في صنع خلاص ما أو حتى الإشارة إليه..
ولهذا قد يبدو “إله الرعي السوري” بمهمته الجديدة مجرد حاصد أرواح غير مكترث بضحاياه في حين من المفترض به أن يكون في وظيفته الطبيعية التي تحتم عليه ملأ المحيط بالأخضر الذي يطغى على الحقول والبيادر..
والرمادية اللونية الملفتة في أعمال نهاد لا أظنها تأخذ الدلالة الفيزيولوجية بحرفيتها بقدر ما تكون مؤشراً خفياً للإنطلاق نحو فضاء متحرر أكثر من هذه السطوة الواقعية للأحداث المحيطة،
بمعنى أن يوجد اللون منطقة حيادية لابد لها أن تتقلب إلى مكان أوحد للنجاة وهذا ما أعتقد بأن نهاد قد أشار له في لوحة “مقعد” حيث في الكلاسيكيات الرومانسية تتم الإستعانة بالعكازين أو الكرسي المتحرك للدلالة على حلم مؤجل أو بطيء أو بحاجة إلى الترميم قبل أن يجد نفسه “أي الحلم” مجرد جثة حية تنتظر أن يتم إعلان وفاتها رسميآ..
أجد أن الفلسفة البصرية في هذه التجربة الجديدة للفنان نهاد عبد القادر هي محاكاة معاصرة للميثولوجيا القديمة بما لها من تأثيرات معاصرة من حيث تداخل للأيديولوجيات المنسوبة إلى الدين طوراً، وأطواراً إلى مجموعة نزاعات قد تجد في شرعية القتل والإماتة عملآ نبيلآ كما لو أن القابضين على الحل والعقد الآن في محيطنا الدامي، هم نسخة عن الإله ايريبوس الذي يمثل في الميثولوجيا الإغريقية الظلام والعالم السفلي، ولذلك أجد في لوحة “ثور تعيس” إنقلابآ مؤلمآ في أن يصبح هذا المقاتل العظيم والشرس الذي إتخذته الشعوب الجرمانية إلهآ، مجرد متقاعد بائس قد تكون ذروة أحلامه أن يجد من يهبه طعامآ فلربما رمى وراء ظهره حلمه بالخلاص..
هذه التجربة الجديدة والمتطرفة والتي في عمقها هي مجموعة أسئلة مبهمة وواضحة معاً عن أقصر الطرق للنجاة وأحسب الفنان نهاد عبد القادر قد ضمن الإجابات في أمكنة ما، فكل ما علينا الآن هو تلمس هذا الطريق الذي حتمآ لن يكون عبر حورية أو “شبه حورية” ولكن يكمن في النفس وما خلفها من ذوائق جميعها تقود إلى الحياة والتي هي فطرة كل الكائنات منذ نشأة البشرية وحتى هذه الهواجس اللونية المترفة التي يبوحها لنا نهاد بطريقته الفريدة في التزاوج الشرعي بين اللون والميثولوجيا المعاصرة.
لقطات من افتتاح المعرض تضم الفنان مع بعض الأصدقاء والفنانين:
فنان تشكيلي سوري | خاص موقع قلم رصاص