محمود درويش |
ياسَمينُ على لَيْلِ تَمَوزَ , أُغْنيَّةٌ
لغَريبَيْنِ يلتقيانِ على شارع
لا يؤدِّي إلى هَدَفٍ ..
مَنْ أَنا بعد عينين لُوزتَّينِ ؟
يقول الغريبْ
مَنْ أَنا بعد منفاكَ فيِّ ؟ تقَولُ الغريبْة
إذنْ , حسناً , فلنَكُنْ حَذِرَيْنِ لئلا
نُحَرِّكَ مِلْحَ البحارِ القديمةِ في جَسَد يتذَكَّرُ …
كانت تُعيدُ لها جَسَدَاً ساخناً ,
ويُعيدُ لها جَسَداً ساخناً ,
هكذا يترُكُ العاشِقانِ الغريبانِ حُبَّهما فَوْضَوِيَّاً,
كما يتركان ثيابَهما الداخليَّة بين زُهور الملاءات …
إن كُنْتَ حقاً حبيبي , فأَلِّفْ
نشيدَ أَناشيدَ لي , واحفُرِ اسمي
على جذْع رُمُانة في حدائِقِ بابلَ
إن كُنْتِ حقاً تُحِبِّينَني , فَضعي
حُلُمي في يديَّ . وقولي لَهُ , لابنِ مريمَ ,
كيف فَعَلْتَ بنا ما فعلتَ بنفسِكَ ,
يا سيِّدي ؟ هل لدينا من العَدْل ما سوف
يكفي ليجعلنا عادلين غداً ؟
كيف أٌُشفى من الياسَمين غداً ؟
كيف أٌُشفى من الياسَمين غداً ؟
يُعْتِمانِ معاً في ظلالِ تشعُّ على
سقف غُرْفَتِهِ : لا تكُنْ مُعِتْماً
بَعْدَ نهديَّ – قالت له …
قال : نهداكِ ليلٌ يُضيءُ الضروريَّ
نهداكِ ليلٌ يُقَبِّلُني , وامتلأنا أَنا
والمكانُ بليلٍ يَفيضُ من الكأسِ …
تَضْحَكُ من وَصْفِهِ , ثم تضحك أَكثَرَ
حين تُخَبِّئُ مُنْحَدَرَ الليل في يدها ..
يا حبيبي لو كان لي
أَنْ أَكونَ صَبيَّاً … لكُنْتُكَ أَنتَ
ولو كان لي أَنْ أَكونَ فتاةً
لكنتُك أَنتِ ! ..
وتبكي , كعادتها , عند عَوْدَتِها
من سماءِ نبيذيّةِ اللون : خُذْني
إلى بَلَد ليس لي طائرٌ أَزرقٌ
فوق صَفْصَافِةِ يا غريبُ
وتبكي , لتَقْطَعَ غاباتِها في الرحيلِ
الطويل إلى ذاتها : مَنْ أَنا ؟
مَنْ أَنا بعد مَنْفاك في جسدي ؟
آهِ منِّي , ومنكَ ومن بلدي
مَنْ أَنا بعد عينين لوزتَّين ؟
أَرِيني غَدي ! ..
هكذا يتركُ العاشقانِ وداعَهُما
فَوْضَوِيَّاً, كرائحةِ الياسمين على ليل تمُّوزَ.
في كُلِّ تمُّوزَ يَحْملُني الياسمينُ إلى
شارع , لا يؤدِّي إلى هَدَفٍ ,
بَيْدَ أَني أُتابعُ أُغنيّتي ..
(من ديوان “لماذا تركت الحصان وحيدا” 1995 )