حبيب أديب شحادة |
بعد أن ساد العنف بأشكاله وأبعاده في أرجاء البلاد حاصدا الكثير من الضحايا، عابراً للحدود والقوميات، ومخلفاً الكثير من الخسائر، ذلك يعود لأسباب عدةمنها ماهو “داخلي يرتبط بالتنمية الاقتصادية كمتغير مفسر للعنف”،ومنها خارجي تحت شعار مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية في الشرق الاوسط.
والعنف ليس بالمشهد الغريب والحديث على الشارع السوري فقد عايش السوريين العنف عبر مراحل تاريخية مختلفة منذ الاستقلال حتى تمانينات القرن المنصرم في الحوادث التي عرفت بأحداث حماة، والتي تمكنت الدولة من السيطرة عليها أنذاك، أما مايحدث الأن من أساليب مستحدثة للعنف الوحشي التي تقوم بها كل من داعش والنصرة وغيرها، وممارسته على أبناء الشعب السوري بمختلف مكوناته وأطيافه هو الغريب.
عند رصد دور الدين وتوظيفه في السياسة من قبل أطراف الصراع يظهر دوره واضحا في التعبئة السياسية، وكمصدر من مصادر الشرعية السياسية، وأداة لتبرير الخطاب السياسي للمجموعات المتطرفة لتمرير مشاريعهم العنفية، كما تم استخدامه كأداة للتغير بشكل عنقي، فالعنف السياسي هو عنف يدور حول السلطة، بمعنى أن العنف السياسي يتعلق في جوهره بالسلطة و رموزها، وهو عنف متبادل بالضرورة، وخرج عن إطاره الاجتماعي والثقافي والديني والسياسي، وتحول الى كارثة عنفية حقيقية سورية.
والجدير بالذكر أن دور الدين في التغيير الاجتماعي والسياسي يختلف من مجتمع الىآخر، ومن مرحلة تاريخية الى أخرى، حتى داخل المجتمع نفسه، وذلك تبعا للسيطرة الفكرية الدينية على المجتمع بمكوناته، وانعكاس ذلك على الأوضاع السياسية والاقتصادية.
وفي سورية بيئات اجتماعية متعددة منها المعتدل، ومنها المتعصب، فأحداث العنف التي وقعت في الشارع السوري كانت ذات تأثير كبير في نطاق الشرائح السفلى من الطبقة المتوسطة، ويعود ذلك الى عدم مساهمة أبناء تلك المناطق في المشاريع التنموية، وانتشار الجهل والتخلف والتعصب،مما ساهم في أن تكون تلك البيئات حاضنة اجتماعية للفكر العنفي المنفلت، يضاف اليها تساهل الدولة في فترة ماقبل ” الازمة –الحرب” فيما يتعلق بالعمل الدعوي والجهادي،الأمر الذي انعكس سلباً على مجريات الصراع الحالي، من خلال سهولة اختراق تلك البيئات وتحويلها الى نقطة ضعف للدولة، ليتم استغلالها من قبل المحرضين الذين كان لهم الدور الرئيسي في تأسيس العنف في سورية عبر نشر أفكار ضد سلطة الدولة والمجتمع لتشكيل بناء ثقافي مضاد ومناقض تماما للوضع السابق.
وهناك ثلاث متغيرات تحكم حجم وطبيعة العنف:
المتغير الأول: يتمثل في حجم البشر المشاركين فيه داخل وحدة اجتماعية معينة “متغير النطاق”
المتغير الثاني : يتمثل بمقدار التدمير الذي تحققه أفعال العنف “متغير العمق”
المتغير الثالث: يتمثل في الفترة التي يستمر فيها العنف “دوامة العنف”
وبإسقاط هذه المتغيرات على على الحالة السورية نجد أن نطاق العنف تصاعد كمتوالية هندسية من منطقة لى أخرى لنصل الى حالة عنفية كاملة على معظم الجغرافيا السورية، متسمة بالقتل الوحشي(اساليب داعش والنصرة وحركة نور الدين الزنكي في القتل) والتدمير الممنهج لبنية المجتمع، للدخول في دوامة العنف اللاعقلاني، المفتقد لأية أهداف موضوعية يثور ضدها،وأصبح نوع من الانفجار الذي يفتقر لأية صلة موضوعية بسياقات اجتماعية، فهل الجهادين القادمين من الخارج في النصرة وداعش وجيش الفتح وغيرها، يحاولون نشر قيم اجماعية وتقافية دينيةيفتقر اليها الشارع السوري أساساً؟ بالتاكيد لا، فهم أداة بيد من يقف ورائهم في اطار الصراع الإقليمي الحالي.
بالنتيجة نستطيع القول بأن الصراع السوري تحول الى صراع الغنف لأجل العنف، ولاشك في أن الوصول الى مخرج ينقذ المجتمع السوري من الدوامة العنفية التي يعيش السوريين داخلها، تحتاج إلى إعادة تقديم الدين بصياغة جديدة، يكون للدين فيها دور أساسي في حياة الانسان، وسلوكياته ومعاملاته وأخلاقياته، من خلال جعل الدين أداة تصحيح تحد من التعصب، وتدفع نحو الاعتدال والتقارب بين أنماط ومستويات المعيشة للشعب.
خاص موقع قلم رصاص