الرئيسية » رصاص ناعم » أراقوا حروفي

أراقوا حروفي

حلا حسنة  |  حلا حسنة - موقغ قلم رصاص

هي النظرة التي تتأرجح بين الحياة والموت، نظرة رخيصة جداً أراها تتذلل أمامي وتلاحقني من مكانٍ لآخر، وهي تُوَجِّه أو تسمح للأنامل القابعة في أسفل الحماقة أن تُوجَّه إلي، نظرةٌ جعلت مني أنثى تكتب الشِّعر لأنها أجادت الحب بمفاهيمه المختلفة، أنثى تتقنُ تذوق الحرف وتعرف كيف أن التكبّر والتواضع ما ارتبطا يوماً بالبرستيج والتقاليد، بل هو عُلوّ حرفٍ وسقوط فكرة.

تلتف حول وسادتي تلك الأفكار المتبعثرة عن الناس، وكيف أنهم يرون الأنثى حائطاً جامداً فارغاً من الأحاسيس، وأن الحرف وسيلة بالية لها حينما تتوق لتخيّل الحب، وهُم لا يدركون أن النسوة في مجتمعاتنا البالية تكتب الشِّعر لأنها تُحِبّ لا لأنها تُحَبّ، فتقضي كلّ وقتها في أن تُسعد من أكسبها ذاك الشعور، وتنسج للآخر أغلى ما صنعته من حَرْفٍ علّه يُقدّر ذلك ويفكّر مرتين، ولأن الحب حالة إنسانية دائمة تراكمية فجائية اللحظات، فهو أحمق من يَنكرُه!

المرأة تجد قوَّتها في الكتابة، والسطور- بالنسبة إليها مرتع متكرر كالمرآة – جسدٌ مكتنزٌ بالخواطر، فهي تكتب للذين يقرأون بصمت، ويؤمنون بصمت، لمن ابتعدوا عن هشاشة مشاعرهم العاطفية، تكتب لتحارب وتجعل من قوّة الرجل قوة مضاعفة فهو ناجحٌ جدا في النسيان لكنّه هشٌّ في الحفاظ على مقتنيات قلبه سليمة بعيدة عن الرياح العاتية، تكتبُ كي تبرز كيانها اللطيف بطريقة شرسة وكي تعلن للعالم بأن الرجل هو اقتحامي بطبعه لكنه على الورق ليس باستطاعته أن يجاريها، وتدرك جيّداً أن كلّ ما تكتبه فحْواهُ لـ”الرجل”، لا لعِرْقِه ونَسَبِه وعدد “الشاميّات” التي ترتسم في جسده، بل لأنها تريده وتفتّش عمّن يحبها لحروفها، ويمنحها السلطة لتضمن حروفها، وينجب طفله من حروفها، ولا يطلّقها بحروفه..

لذلك الرجل الذي يرى المرأة تندثر شِعراً ولُغة حينما تُحبّ فأنتَ لم تُحبّها يوماً أو أنها امرأة غير حقيقية أو أنك استطعت أن تنتشلها من عالمها الخاص بسرعة برق لا أمطار من بعدها أو نظرة خاطفة لا تمّت للجقيقة بِصِلَة.

إترك حواء تكتب ما في داخلها واقرأ الشِّعر كما أحبَّتْهُ هي لا كما رأيته بين ردهات فستانها أو لفافات شعرها القصير، فهي تعرف جداً أن اللغة عباءة صُنعت لفيفاً لروحها وجسدها، وكثيرات هُنّ من ارتدين الحجاب الروحي، فمنعوا أنفسهن من أن يلوثوا اللغة ومنعوا أنفسهن من دناسة المشاعر.

لا تُلامُ المرأة إذا ما تأرجحت ما بين أوتاد اللغة وأوتاد الرجل فكلاهما يشبهان بعضهما، خذوا اللغة من الرّجل فيتجرّد من كلّ شيء ويُساوي نفسه فقط، وخذوا اللغة من المرأة فتراها – تساوي الرجل والعالم – بانتقاص بسيط لعملية تجسيد مكتوبة للحواس.

وإذا ما كنتم أنتم الذين نجحتم في الحبّ وفشلتم في الشعر فعلّها قلبت معاييركم، فأدب المرأة الحاضر بين سطورها هو نتاج الذاكرة لا نتاج الحاضر، فلا تجد الأنثى يوماً ملاذاً لنفسها في حاضرها، فهي في مبارزة مستديمة مع الرجل، مبارزة ينسجها بالشراكة مع مجتمعه الذي ما انفّك أن يعاونه في نسجها بحبكة درامية مثالية؛ ويتباريان بالشِّعر فيتهمها بأنها تكتب الشعر لأنها فشلت في حبّه وهي تلتمس خيانته لأنها تقرأ حروفه يومياً، ويتهمها بأنها تكتب الشعر لأنها فشلت في حبّه وهي قد ترى نفسها تكتب الشّعر لأنها أجادت حبه بشدّة.

صحفية لبنانية- الكويت | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

النسّاجة

عندما زارنا أول مرة كنت قد كبرت شبراً إضافياً، مسّد على شعري، داعب أرنبة أنفي …