آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » الصفحة الأخيرة تتباهى بفراغها !!

الصفحة الأخيرة تتباهى بفراغها !!

أحمد كرحوت  |  

لديك الكثير لتكتب عنه، ليس مهماً ما تكتب بقدر ماهية الطريقة التي تكتب فيها، كل ما فوق السطور هو عبارة عن كلمات تسرد حدثاً معيناً أما القراءة الإشكالية فهي تلك التي تخاطب النصوص خارج إطار الشكل وبعيداً عن مدارس النقد الفرنسية التي تُعنى بالإطار الخارجي للنص “شكل النص قوام وجوده” النصوص المستشرية تقبع غالباً بين السطور في ذاك الفراغ الصغير بين كلمة وأخرى، هناك يمكنك استخراج الرسالة المنشودة، فالكاتب غالباً لا يجرؤ على رصف الكلمات في عمق معنوي خاصة بعد إشباع مخيلته بالمخاوف المترتبة على أفكاره الكثيرة والتي يتصدرها أنه عبد للكلمة خارج منظومة القداسة المتداولة.. هل تستطيع الطرق على الجهة الأخرى من الباب؟ تلك هي الظاهرة المستترة والتي لا وجود للأمام بدونها وتكون عادة مرتبطة بطريقة تفكير أو رؤية مغايرة لما قد يفطن له البعض في قراءة سطحية دون الإبحار في عمق البلاغة.

يقول البعض في قراءة مابين السطور إنها موهبة نادرة تنمّ عن فطنة وعلم في حين ينظر آخرون إلى أنها أوهام وظنون و تخرّصات تؤدي في كثير من الأحيان إلى إساءة الظن وربما الإساءة للنص بحد ذاته، إلا أن هذا لا ينطبق بشقيه على التفكير النقدي الأكاديمي الذي يؤمن تماماً أن ما من إنسان يكتب جملة إلا ويراد فيها رسالة قد تكون رمزية أو بيّنة، ربما هي سرعة البديهة بمصطلح آخر أو تفكيك تركيبي كما يسميه أتباع المدارس المضمونية.

دائماً ما نتداول فكرة القراءة اللامرئية دون التمييز هل هي علم أم فن؟ وهل تبنى على دلائل ومعطيات لما يمتلكه الكاتب من خلفية سابقة لثقافته الفردية “فطرية أو مكتسبة” على أن يبتعد كثيراً عن معنى النص الأول، أي تركيب الكلمات فقط ؟!

ذاك الفن ذو الطلاسم المكدسة وبعيدة المنال عن أي فكر يتّسم بضحالة المعانِ، لا يمكن أن يتواجد في نص “عادي” أو في نص ضعيف، كما هو الأمر لدى بعض الكتّاب الذين يكتبون الرواية على أنها قصة طويلة يجب سرد أحداثها بلغة واضحة دون الخوض حتى في تقنيات الرواية والتفريق بين الرواية والقصة، فالتباين لا يكون بعامل الحجم إنما بناء على الركائز التي يبني عليها الكاتب أحداث حكايته..  تلك القراءة التي ذاعت بين كتاب الأدب خاصة وبجميع أجناسه ومسمياته لا يمكن أن تدرج تحت سطوة الحداثة على أنها هروب من المسلمات، ولكن هل هي فعلاً من بديهيات الكاتب لدرجة أنه أخفق في استدراجها إلى نصه وابتدع طريقاً للمواربة يخفي خلفه جهله بما يسمى مسلمات فقط كي يدرج في قائمة الحداثيين؟!

بعيداً عن تلك العناوين لا يمكن للحداثة أن تُرسخ بهذا الشكل إن لم يكن قد ابتلع مئونة سنوات داخل إطار ما يدعى “بالكلاسيكي” وهو الأساس الذي خرجت عنه نصوص مغايرة بشكل تدريجي حتى وصلت إلى هيئتها النهائية لوقتنا الحاضر والتي ستأخذ منحىً آخر بعد فترة وجيزة كما هو حال الشاعر الذي يكتب قصيدة النثر والتي تحولت بعامل الاستنفاذ إلى يوميات مبطنة -ربما يسميها البعض نصوص ما بعد الحداثة- لكن هناك ضعف حتى في إطلاق هذه التسميات كأن نقول إلى ما بعد هذا أو ذاك، كما كان الموت في يوم ما يدعى مرحلة ما بعد الحياة لعدم الإدراك الكامل لتلك المرحلة حتى خرج باسم جديد عندها صار الموت نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى وليس امتداداً لأبعادها الأمر الذي يوضح مقدار التململ وحجم القوقعة التي بدت تضيّق الخناق على كل من يدخلها ليجد نفسه بعد زمن قد تم سجنه في غلاف هلامي لا يمكنه العودة منه للخلف أو السير للأمام .

ربما ساعد في ذلك، تلك المرحلة التي سبقت الجيل الأخير والتي حملت شعار “قتل الأب” على سبيل تحطيم القيود التقليدية، فخرج عنها في السنوات الأخيرة جيلاً لا يعلم أساساً ما هو الأب! الذي تم قتله من قبل بعض المتمردين على أسلافهم أو ما سموهم فيما بعد بأصحاب العباءات الواسعة بقصد أنها أغرقت العديد من الأجيال تحت ظلها ولسنوات طويلة .

التنقيب ما بين السطور أيضاً يبدو أنه قد تحول لعرف مستهلك أو لوجبة بائتة على مائدة الشعراء والروائيين والقاصين من أجيال متباينة لكنهم ما يزالون يدورون بذات الفلك حتى الآن، فهل قَتلُ أولائك الآباء و الذين كانوا حجر الأساس للكثير من النصوص التي خلدها التاريخ نعمة أم نقمة من شأنها هدم الأسس الأولية للنص؟ وإن بدا أن تلك الأعمدة التي لطالما حملت ثقل الرسائل على كاهلها قد هشمت بالكامل فهل سيسقط عرش النص العالِ أم أن أعمدة جديدة ستظهر لتسند دعائمه !!

شاعر سوري | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

ليالي الرعب في الرقة

الغرفة شبه مظلمة، مصباح صغير يضيء المكان، يكاد يلف المكان صمتٌ مخيف، تتخلله دقات الساعة …