الإندماج هو قيمة من القيم العليا للبشرية الآن، بدأت مع تأسيس المجتمع وممارسته كتكنولوجيا للتجمع البشري، ووصلت الى ما وصلت إليه الآن من تجمع أمم وشوعوب وأعراق وثقافات في إقليم يسمى دولة معنية بإدارة شؤون هذا التجمع.
والإندماج ثقافة ممارسة في الواقع وعلى الأرض في هذه الحياة الدنيا، وأي خطأ في ممارستها مهما كان صغيراً، هو بمثابة خطيئة تتراكم نتائجها ككرة ثلج لا تلبث أن تنفجر في وجوه، من مارسوا الخطأ وشركائهم في التجمع البشري.
أما الغزو، فهو تعبير عن حالة تمايز عن التجمع البشري في الإقليم، تمايزا حقوقيا بالتحديد، إذ لا سبب واضحاً يجعل الغازي يغزو إلا اعتبار نفسه أولى بما يمتلكه الغير، دون الإعتراف بأية شرعة سوى شرعته التي يكيفها حسب مقتضى الحال.
بالنظر الى حال اللجوء الباهرة التي حققتها العديد من شعوب المنطقة، نلحظ ذلك الإبتعاد عن قيمة الإندماج كقيمة ضامنة لإستمرار العيش البشري بناء على تبادل المصالح التي تحتاج الى تسالم لإتمامها والاستمرار بها، و الاقتراب بسرعة وشدة وعناد من ثقافة الغزو التي أدت هي نفسها الى هذا اللجوء (من الوجهة السياسية: لم يبدأ اللجوء إبان حوادث المنطقة في وقتنا الحاضر، بل بدأ منذ زمن بعيد ربما إبان ظهور عبد الناصر والناصرية) ليتحول اللجوء في عمق معناه (عبر ممارسة ثقافة بلدان المنشأ) إلى حالة غزو، مبنية على أسس وتسهيلات من ثقافة الاندماج، التي يرفضها أصحاب ثقافة الغزو من اللاجئين في المبدأ، ويحضرون ممارساتيا لإنشاء غيتو سوف ينفجر عاجلاً أم آجلا، في وجوه الجميع.
لا نتكلم هنا عن إحصائيات أو دراسات إستطلاع الرأي المخجلة فقط، بل نتكلم عن قصص وحوادث شخصية وواقعية، نتكلم أيضاً عن آراء الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي التي تطابقت نتائجها مع هذه الدراسات والإحصائيات، والتي أوضحت جميعها عن سلوكيات ثقافة الغزو كشطارة وبدهية عند هؤلاء اللاجئون، وهذا ما ينذر بعواقب وخيمة على العديد من المستويات.
لا أحد يدر لماذا توجهت جل مجموعات اللجوء الى الغرب، هذا الغرب الذي تعرض للشيطينة والإساءة على مدى قرن كامل، في “المجتمعات” المصدرة للآجئين، ولا أقول هذا على مستوى الثقافة الشعبوية (الدراما التلفزيونية مثالاً) ، بل على مستويات تفكيرية عالية أيضاً، ولكن النتيجة أن اللاجئون توجهوا إليه، لم يذهبوا الى أفريقيا مثلا، ولا الى دول الإتحاد السوفيتي سابقاً، لم يلجأوا الى أفغانستان أو إيران أو الخليج، بل ذهبوا الى أوربا الغربية أو إلى الغرب عموماً، في تعبير عملي وواضح عن عدم ثقتهم بثقافتهم وربما احتقارها، حيث يتبدى هذا الفصام كأول نتائج إحتقار ثقافة الاندماج، فهم بالأساس غادروا لأنهم بدأوا يحصدون نتائج عدم الاندماج، والآن سوف يكررون نفس الخطيئة، ولسوف يمارسون ذات الثقافة التمايزية التي تجعل منهم أولى بملكية ما يملكه الآخر.
صحيح أنهم لجأوا الى الشيطان، ولكنه شيطان في المقام الأول، حتى لو أظهر الأخوة في الإنسانية، فهو ليس أكثر من هابيل ينتظر تنفيذ حكم قابيل به.
لا أريد الدخول في التسميات والأمثلة والحوادث، ولكن الشخص الذي كان يرتجف رعباً وهوانا من شرطي، أصبح اليوم يواجهه بحقوق هو نفسه لا يؤمن بها (هناك فرق واضح بين الشرطيين بالنسبة لللاجىء)، فشرعة حقوق الإنسان التي لم يعتتقد بها يوما ( اللاجىء وتجمعه البشري) ويرفضها ويثربها، على الرغم من كونها الخيط الوحيد الذي يربطه بالبشرية الآن، هو مستعد تمام الإستعداد لإساءة إستعمالها، لا بل الإساءة إليها، ناهيك عن فتح صفحة مجتمعية جديدة تفرضها حالة الإنتقال من مجتمع الى آخر، فهذا موضوع بعيد المنال، ففي ثقافة الغزو الذي عاشها (وعشناها جميعا) لا يوجد للمجتمع وإستحقاقاته من أثر، فيتحول ذاك الشرطي الغازي في البلاد الى مغزو في اللجوء. فحقوق الإنسان ليست مسؤولية شخصية في هكذا ثقافة، ويمكن للغازي أن يهبش منها لشخصه ما شاء طالما استطاع الى ذلك سبيلا، فذرائع ثقافة الغزو أكثر مما يمكن أن تطاله محاسبة.
الإحصائيات تشير أن جنسيات اللاجئين هي متعددة جداً، وربما لا تتعدى نسبة اللاجئون من هذه البلاد أرقاما محدودة، ولكننا أمام واقع ثقافي محتدم، وعلينا النظر فيه، لأنه وبحسب ما تم تفسير رسالة إبن فضلان وإلياذته الخالدة المسلسل التلفزيوني (سقف العالم) فقد أخرجنا نحن (ولا أحد يعرف من نحن) الإسكندنافيين من حال الهمجية وعلمناهم التحضر والمدنية، فهل نحن ذاهبون الى هناك لإستعادتها؟ فقد أثبتت الوقائع أنهم لا يستحقونها! فهذا الغنى الفاحش لا يليق إلا بغاز.
مجلة قلم رصاص الثقافية