الرئيسية » ممحاة » فضاء الكارثة

فضاء الكارثة

كانت رغبة النشر والوصول إلى الناس، القراء، تصيب الكاتب الجديد بعد نصوصه الأولى، خصوصاً حين ينتهي من هضم الأصوات الأخرى التي كانت تعيق هويته ومناخه العام، كما يتراءى له! فالنشر آفة النضوج، كلما أيقن الكاتب بعد نشر نص جديد له، أن ثمة ما يمكن تعديله هنا، وحذفه هناك، بانت على معالم تجربته نتوءات التّسرّع وتهالك التراكم والمخزون والمخيلة، إذ عَلِق في الباطن همّ النشر وبقي نوع المضمون واختلافه حسب رغبة الكاتب، لا تبعاً لمَ يتجاوزه في العمل الابداعي لمشهد محيطه الثقافي.

قد يبحث بعض الكتّاب عن أراء النقد والتحليل والمقاربة والقراءة من شريك في العمل الثقافي، أي ربما صحفي، باحث، ناقد، كاتب آخر.. قراءة تفتح أبواباً لتوسيع دائرة الوصول ونشر “المعرفة” و “الامتاع”، الإعلان العرفي للعالم أن هنالك “كاتب” – على اختلاف تخصصه الابداعي- سوف يضيف لمكتبة الأدب تجربته وعوالمه، ولكن مهلاً، ما دخل كل ذلك بعنوان فكرتي هنا فضاء الكارثة؟

ما تقدم حاولت من خلاله أن أقول لصديقتي الشاعرة الشابة التي كانت تنشر على صفحتها في فيسبوك بكل براءة، قطعاً ونثريات شعرية وأفكاراً لا دبغة  حقوق تحميها، ولا كتاب مطبوع وموثق لدى ناشر بتعاقد لملكية العمل، تقاضي عبره لصوص شبكة التواصل الأكثر ضجيجاً وعشوائية في العالم اليوم: فيسبوك!

تلك الصفحات التي تحوّلت إلى قيد عزلة تامة، ربما ينجو منها البعض، لكنها كارثية على الأدب والثقافة بلا شك..! لو تجاوزنا كمية الأمراض المنتشرة بين شخوص وظواهر العمل “الثقافي الأزرق” وانتبهنا قليلاً إلى ما حدث لصديقتنا الشاعرة التي فقدت نصوصها الجديدة بعد نشرها على صفحتها الشخصية، وذلك عندما تقوم إحداهن بتبني النصوص، بل ودفعها إلى الطباعة طارحةً اسمها “كشاعرة” جديدة، هنا هل يضمن الأصدقاء حقوق صاحبة النصوص الأساسية ويشهدون أمام “محكمة أخلاقية” لصالح صديقتنا الشاعرة الحقيقية؟ أين مقر المحكمة؟ وكيف سوف تقاضيها وتأخذ حقها؟

لن يحدث ذلك بالتأكيد، لأن مأساة التدوين الإلكتروني ما لم يوثق بموقع خاص، يفقد صاحبه حقه، حتى لو كان هناك قانون تجريم إلكتروني، لن يطبق منه شيء! هل نستخفّ بالقانون في سورية؟ ربما، دعني أسمّيه “قانون برستيج” لأن السرقات العملاقة وتجارة الدم  الحالية لن تتوقف طالما الدول الكبرى لم تنتهي بعد من المحاصصة في بلادي وعلى رؤوس قادة كل الفصائل والمليشيات والجيوش والتنظيمات التي تقاتل هناك في “شامنا الحزينة”!

وعليه لن تهتم الدولة بسرقة نصوص شاعرة جديدة، ولن يكون عند وزارة الثقافة الوقت الكافي للتمحيص في ثبوتية ملكية النصوص، لأن ديوان الشعر “الملطوش” سوف يوزع، وتمتلك “اللصة” نصوص غيرها وتسمّى “شاعرة” أنجبها رحم الفضاء الكارثي بعد عَرجٍ ولادي اسمه: الانترنت!

مدير التحرير

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …