حسين الرحيم |
(مونودراما بانتومايم)
المنظر : ساحة معركة لأكثر من حرب قد انتهت منذ زمن بعيد.
في الوسط جمجمة ضخمة وهناك جماجم بالحجم الطبيعي موزعة هنا وهناك. تضاء بقعة في الزاوية اليمنى من المسرح داخل البقعة مهرج بهلوان وقد علق في رقبته طبل.
تضاء بقعة أخرى في الزاوية اليسرى على جمجمة بالحجم الطبيعي، يراها البهلوان فيرمي طبله ويركض نحوها، لكن حال اقترابه تطفأ لتضيء في مكان آخر وجمجمة أخرى وهكذا تبدأ عملية مطاردة للجماجم حتى يمسك واحدة عندها تضاء بقعة كبيرة على جمجمة بحجم أكبر من حجم البهلوان “ضربة موسيقية” حين يراها يندهش ويقارنها بالتي في يده فيهرب ثم يعود ثانية ويتقدم منها بهدوء وحذر وعندما يلمسها تفتح الاضاء على المسرح بشكل فيض فيظهر جزء من ساحة معركة لحرب انتهت من زمن بعيد، هنا جزء من بندقية مغروسة في الرمال وهناك حذاء عسكري وخوذة وسبطانة مدفع محطم وعجلة قيادة مقلوبة وعلم ودبابة محترقة وجناح طائرة وكلها مغروسة في رمال الصحراء، يتحرك البهلوان بهدوء على المسرح “صوت عويل ريح ومطر مع رعد وبرق” يشعر بالبرد يحاول البحث عن ملجأ يقيه فيدخل الجمجمة ونسمع صوت خشخشة وأدوات معدنية تتحرك وتسقط ثم يخرج رأسه من إحدى عيني الجمجمة ومرة أخرى من فمها ويتحرك صعوداً وهبوطاً فيبدو كاللسان “يهدأ صوت المطر والرعد والريح” يختفي البهلوان داخل الجمجمة، تعود أصوات الخشخشة والضجيج مرة أخرى كمن يبحث عن شيئ داخل صندوق. يخرج البهلوان من الجمجمة وبيده المصباح السحري، تظهر عليه السعادة والفرح ويبدأ بفرك المصباح أكثر من مرة فلا ينجح ويحاول إفراغ المصباح فيسمع صوت تآوهات شخص محصور في مكان ضيق.
يبدأ بنفخ المصباح من فمه ثم يبدأ بامتصاصه كطفل يرضع حليباً ثم يتوقف فجأة ويتحسس بطنه كمن دخل فيها جني المصباح، يصاب بالرعب ويحاول إفراغ بطنه عن طريق التقيؤ فيفشل ثم يأتي بقربة ماء كبيرة ويفرغها في جوفه “صوت دلق ماء وشخص يغرق فيه” ثم بطريقة ما يخرج جني المصباح مرة أخرى ويكون غير مرئي بالنسبة للنظارة “صوت شبيك لبيك بطريقة غير مفهومة” يطلب البهلوان مائدة أكل ما لذ وطاب، يذهب الجني ويسمع صوت اطلاق رصاص وسيارة نجدة ثم اطلاقات.
ويظهر في عمق المسرح على الشاشة خيال ظل الجني يقوده شرطيان إلى المخفر. ينظر البهلوان إلى المصباح ثم يرميه باشمئزاز إلى داخل الجمجمة ويدير ظهره مبتعداً غير مبال لكن داخل الجمجمة يضاء باللون الأحمر “موسيقى ومؤثرات رعب” يحس البهلوان بشيء يسحبه إلى داخل الجمجمة التي تضاء باللونين الأزرق والأبيض يخرج بعدها مرتدياً جاكيته وقد تلثم باليشماغ، يخرج من جيبه مجموعة مناشير ويبدأ بتوزيعها ولصقها على الجمجمة “موسيقى أناشيد وطنية حماسية لا تلبث أن تتوافق مع أغنية أم كلثوم “هل رأى الحب سكارى مثلنا” ثم تضاء الجمجمة باللون الأحمر وتسحبه إلى داخلها، يخرج مرة أخرى ويقف في أعلاها مرتدياً زي القادة والنياشين على صدره ويحيى بيده اليسرى الجماهير الغفيرة التي يعلو صوتها هادراً وهي تحييه وتفديه بأرواحها وبيده اليمنى مسدساً يطلق النار عليهم فيختلط صوت الفرح الجماهيري مع أنين الجرحى وصرخات الموت. وهو يضحك ويضحك حتى يموت ويختفي تدريجياً داخل الجمجمة “موسيقى جنائزية وبكاء وعويل” تتحول تدريجياً إلى موسيقى سمفونية “شهرزاد” لكورساكوف فيخرج مرتدياً زي شهريار ويجلس، صوت شهرزاد بطريقة غير مفهومة وهي تروي حكايات ألف ليلة وليلة، وهو يدخن السكائر لكن يتداخل مع الموسيقى صوت أزيز الرصاص والقصف المدفعي وتدريجياً يطغي عليه فيرمي الجبة والعمامة داخل الجمجمة لكن يقذف عليه من الجمجمة طبل صغير مكتوب عليه مع تحيات “غونتر غراس” يبدأ البهلوان بالضرب على الطبل إيقاع دبكات شعبية ويرقص معها.
لا تلبث أن تتحول إلى مارشات عسكرية فيرميه داخل الجمجمة ثم يخرج ناياً من جيبه ويبدأ بالعزف عليه بلحن حزين لا يلبث أن يتحول العزف إلى صوت صفارة إنذار يرمي الناي غاضباً ويدور في المسرح صارخاً ثم يهجم على الموجودات في المسرح “الخوذ ، البندقية ، العجلة ، المدفع … الخ” وكلما حاول رفع إحداها من مكانه يسمع صرخة ألم قوية فيتراجع وهنا يسمع ضحكات تقوى شيئاً فشيئاً حتى تصم إذنيه ويسقط على الأرض فيهدأ كل شيء ثم يسمع بكاء خفيف لا يلبث أن يتحول إلى عويل ثم عواء ذئب ويدخل معه صوت هلاهل مع الضحك وتضيئ الجمجمة باللون الأحمر لنسمع صوت قطار.
ينهض البهلوان ويقف أمام الجمجمة ينادي على الناس للركوب فيها بوصفها قطاراً ثم يركب ويجلس تتحول إحدى العينين إلى شباك للقطار “صوت تحرك قطار” مع موسيقى أغنية “الريل” لمظفر النواب، ثم تدخل معها أغنية “ياوبور” لمحمد عبد الوهاب.
يتوقف القطار، ينزل البهلوان، ويضع الخوذة على رأسه ورافعاً يده عالياً كمن يؤشر لبدء السباق وعندما ينزلها تبدأ الحرب ” إطلاق رصاص، قصف مدفعي، صوت طائرات، صفارات إنذار، مارشات عسكرية بيانات عسكرية بلغة غير مفهومة “يصعد إلى أعلى الجمجمة التي تتحول إلى ما يشبه الدبابة ويمسك رشاشاً متوسطاً ويطلق النار منه. يصاب برصاصة في صدره فيخر صريعا ، فيتوقف كل شيء ثم ينهض مجددا ويخرج الرصاصة من صدره ويبدأ الرمي حتى ينفذ العتاد. عندها يتوقف ويرمي الرشاش خارجاً ويؤشر للأعداء بالتوقف عن الرمي فقد انتهى العتاد وانتهت الحرب معها.
يخرج من الجمجمة حاملاً طبلته ويصافح شخصاً وهمياً ويقبله ثم يرحل لكنها تضاء باللون الأحمر مع صوت بكاء طفل ويعود يقبلها مفهماً إياها بأن عليه الرحيل ويودعها منصرفاً وصوت أم كلثوم يردد ” هل رأى الحب سكارى مثلنا؟”.
روائي وكاتب عراقي | خاص موقع قلم رصاص