فؤاد ديب |
آخر العذابات التي وأدت وجع الأرض بين أضلاع الوهم، لم تسرع الخطى إلى حتفها بل مشت على مهل بين المهمشين تختار أينعهم وترمق بطرف عينها من يتجرء على الابتسام دون أن يقول: “اللهم أجرنا من شر الضحك”. تفتح ذراعيها على آخرهما وتدفع بمن علق بينهما بصدرها معها صوب الثقب الأسود الكبير الذي يبتلع كل شيء وتجر الذين يمسكون طرف ردائها لايقافها معها الى الهاوية …
كانت الحمّى شديدة حتى إن هذيانات الوسادة، استلزمت أن يبقى أحد ما قرب السرير لا من أجل المحموم، بل من أجل احداث جلبة ما حين تهذي بكلمة تزيح عن الطريق فربما قد وضعوا جهاز تنصت في غرفتك في المشفى أو كاميرا في كيس المصل كي تصور ما يجول في داخلك! لربما فكرت أن تغير نظرتك للأمور …
فكرت ؟؟!!!
أنت ستحاسب على تفكير يجول في خلدك ولم تجاهر به كما كان انتماؤك في يوم من الأيام لحزب أو جبهة أو حركة ممنوع ويحاسبك عليه “الأمن” وقد تغيب سنوات طوال في الأقبية اللعينة الباردة لأن تفكيرك مخالف لتفكير “القائد!” ففي مرحلة كانت تهمتك الانتماء للحزب الشيوعي أو “لجبهة الرفض” ومرة أخرى “عرفاتي…” إلى ما هنالك من تهم لا تعرف لها مصدر..
التفكير ممنوع، أنت موجود بين قطيع يقوده مرياع كبير في طريق رسمه الراعي، وحتى لايعكر هدوء وصفاء طريقة تفكيره نزع الجرس عن عنق المرياع، فعقود من القطعنة لابد أن تترك الجميع يسيرون في طريقهم دون أن يقعوا في حفرة المحظور، ومن سقط عن الصراط المستقيم يكون بانتظاره ذلك الشيطان بشوكة كبيرة وذيل ووجه شرير و أذنين كبيرتين وأنياب مدببة، وهو يدس كل من يقع في أتون النار ويهدر قائلا: “بدك تفكر لكان..!؟” وبصدر قهقهة فاجرة… “ليكون بدك تفكر تغير تفكيرك..!” هكذا قال المحقق لرجل مكبل وقد وضعت على عينيه عصبة كي لا يرى من أين تأتيه الصفعة في حين يقف طفل جانبه والمحقق يمارس ساديته عليه ويصفعه صفعة تلو أخرى ويسأله أسئلة عن شخص ما وما إن يصمت الفتى كي يفكر يصفعه المحقق ويقول له: “لا تفكر…”
وكأن التفكير بكافة أنواعه هو جرم يعاقب عليه “السيد الأكبر” فكل ما عليك أن تفكر به هو رغيف خبز لأطفالك وأجرة البيت وعملاً إضافيا كي تسد به إحتياجات البيت الأخرى وتتمدد في آخر الليل جانب امرأة كدت هي الأخرى طوال النهار مع الاطفال وواجباتها المنزلية التي لا تنتهي، وهي تحاول أن تفكر كيف تسيّر البيت بما هو متوفر لديها من سبل معيشة، وتفكر بما ستفعله في الغد كي يمر يوم آخر. وما إن يحرك الرجل الممدد جانبها يده كي يتقلب فقط لا غير، تصيح به: “اياك أن تفكر بفعل شي..؟!”.
صحفي وشاعر فلسطيني ـ ألمانيا | خاص موقع قلم رصاص