– رح يفقّسوا لبين ما تمرق ع الحاجز..
صرخ شوفير الميكرو ضاحكاً مطلاً من نافذته لسائق سوزوكي محملة بكراتين البيض مصطّف بجواره.
الميكرو يتحرك بمعدل سنتيمترات كل عشر دقائق. الركاب ينفخون متطلعين إلى ساعاتهم وموبايلاتهم بين حين وآخر، شمس الظهيرة تخترق الزجاج وكأنها تمر عبر عدسة مكبرة، أحاول إخفاء ساعدي تحت حقيبتي كي لا تلسعني. مواجهي رجل يسند تلفزيون 21 بوصة، بالكاد يوازن جلوسه على مساحة شبه مستحيلة من مقعد دون ظهر ما خلف مقعد السائق. يحاول خجلاً منع ركبتيه من الالتصاق بركبتيّ.
خلف الزجاج أطفال وأمهاتهم مجتمعين أمام بيوتهم الاسمنتية المطلة على أوتوستراد الكباس. من مستوى سير السرفيس يبدو الرصيف أمامها كتراس، أحدهم يمطّ اليويو وولد آخر يدندل ساقيه إلى أسفل الحافة المؤدية إلى أوتستراد (الموت)، تسمية شعبية أطلقت عليه منذ سنوات لكثرة الحوادث المرورية التي فجعت الساكنين على طرفيه.
على الجزء الفرعي من الاوتستراد، قرب الجدار الذي دندل ولد التراس ساقيه منه طاولة فيشة، تحاذيها السيارات التي تجرجر نفسها كسلاحف كبيرة ملونة دون أن تمس اللاعبين المنهمكين في اللعب، أحدهم ولد بعكازين، يسند القرمة المتبقية من ساقه على عارضة العكاز الأيمن ويستخدم يديه بمهارة وحيوية طفل في الثانية عشرة من العمر.
زخات رشاش قوية قريبة جداً، لا يعيرها ساكني التراسات اهتماماً. يتوقف السير تماماً، بعض الركاب يتململون، يطلّون من النوافذ المشرعة، يراقبون ردود فعل المحيط تحسباً لخطر، لكن كل شيء طبيعي، لا انطباعات غريبة على وجوه المارة، صاحب التلفاز ذا الـ 21 بوصة يلتفت بجسده كاملاً محاولاً النظر إلى الطريق من خلف كتف الشوفير.
إنها مجرد جنازة تمر، التابوت ملفوف بالعلم الفلسطيني، بعض الشبان يطلقون زخات متفرقة من الرصاص في الهواء، الوداع الأخير لذاك المخفي في التابوت.
يتحرك السير مجدداً نحو الحاجز ذو المسربين المفصولين عن بعضهما بدواليب سيارات، الطرف الأيمن (خط عسكري) والأيسر للعموم. يجلس “رجل الحاجز” على كرسي مخلوع في بنطاله العسكري، رشاشه يستلقى بهدوء في حضنه، يرتدي تيشيرتاً أسود رسم على صدره شعار “باتمان” ضمن دائرة صفراء، وبإشارة من رأسه يعطي إذن المرور للشوفير الذي ما أن يتجاوزه حتى يضغط على دواسة البنزين مرهقاً فيثبت رجل التلفاز في مكانه بالكاد.
ننزل عند نقطة “الجسر” الحدودية الثانية التي قد يطول انتظار تيسّرها ساعة أو يزيد، انظر إلى البشر السائرين أمامي، محمّلين بأكياسهم، مرهقين، نبدو وكأننا في حالة نزوح “داخلي” إلى منازلنا، نتسلل بين السيارات الملتصقة ببعضها ونناور. المرأة ذات الكعب العالي، تدفع ثمن أنوثتها غالياً في هذا المسير الطويل، بالنسبة لي ألغيت تماماً كل ما يتعلق بمظاهر الأنوثة من أحذية جميلة ذات كعب رفيع منذ أكثر من سنتين، حين سبقتها شعرت بمعاناتها، حسدتها بعض الشيء وقررت أن ألبس حذائي ذا الكعب في المنزل، وربما أزور الجيران وأنا انتعله، قد أطقطق به لبعض الوقت على بلاط البيت ثم أعيده إلى الخزانة بانتظار انتهاء الحرب.
تئز رصاصة فوق رأسي فأحاول إخفاءه بين كتفي.
كالعادة.. اشتباك على طريق المطار قرب بيتي، وميزة الاشتباك أنه لا يدوم طويلاً، لكن لم تسلم منه بعض نوافذ الطوابق العلوية.
احتمي في بقالية أبو وليد، كان يعمل سابقاً في مصنع للغزل والنسيج في القابون لكنه الآن في إجازة مفتوحة..
على الشاشة الصغيرة كيري ولافروف في جنيف..
اسأل أبو وليد:
– شو بدو؟
وأقصد كيري بسؤالي هذا..
أبو وليد ضاحكاً:
-عم يسلم علينا..
أنا:
– يقطع عمره..
أشتري باكيت سجائر واسأل أبو وليد عن سعر الدولار.. يتوقف الرصاص.
أخرج من البقالية، قط أصفر بثلاث قوائم يقطع الطريق أمامي، بطيئاً وأخرق، أنتظره كي يمر وأكمل طريقي.
8 تشرين الأول 2013
موقع قلم رصاص الثقافي