عاصف الخالدي |
عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان ، صدر للكاتب والناقد الدكتور غسان عبد الخالق ، سيرة ذاتية تقع في 160 صفحة من القطع المتوسط بعنوان ” بعض ما أذكره ” . السيرة التي تراوح بين بوح الذات وتوثيق الواقع وترصد محطات بارزة في حياة الكاتب والمجتمع على امتداد عشرين عاما ( 1967_ 1987 ) ، استهلها غسان عبد الخالق بمقتطفات دالة من سير سابقة ( ابن حزم ، إحسان عباس ، هشام شرابي ، إدوارد سعيد ) ثم أعقبها بما يشبه التقديم لسيرة طفولته وصباه ثم مطلع شبابه والتي تواترت عبر عشرين عنوانا فرعيا وملحق وحيد يمثّل رسالة خطيّة مطوّلة موجّهة إلى كاتب السيرة من الشاعر زهير أبو شايب إبّان عمله معلّما في اليمن بتاريخ 15 / 3 / 1985 . ” بعض ما أذكره ” تبدو مواجهة لم يدّخر الكاتب جهدا كي تكون صريحة وجريئة، ويتضح هذا تحديداً من خلال عرضه لتجربته في طفولته القاسية وتجربته الثقافية والسياسية المبكرة بوجه خاص وتوثيقا للذاكرة الثقافية والسياسية والاجتماعية في مدينة الزرقاء ومدينة إربد وجامعة اليرموك بوجه عام ، حيث أظلّت حراكا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا نوعيا امتد من منتصف السبعينات حتى منتصف الثمانينات . يقول كاتب السيرة : ” في الخامسة والأربعين تحديدا ، راح حلم كتابة السيرة يلح علي كثيرا ، لكنني قاومته بكل ما أملك من قوة ؛ لأنني لم أرد أن أكتب سيرتي تحت وطأة الشعور بالتمزق الذي اجتاحني في تلك السن والذي كان سيصبغ هذه السيرة حتما بما شعرت به آنذاك ، ولأنني كنت ما أزال أشعر بخوف شديد من مواجهة طفولتي والكتابة عنها ، وربما لأنني كنت أخشى الرسوب في الامتحان الذي طالما تشددت في إعداده كلما حدثت طلابي عن مثالب سيرة ابن حزم أو ابن خلدون أو أحمد أمين أو عبد الرحمن بدوي أو هشام شرابي أو إحسان عباس أو إدوارد سعيد . وربما ، لأنني اعتقدت على نحو ما، بأن الإقدام على كتابة السيرة الذاتية ينطوي على قدر من التسليم بالواقع ، والاعتراف بأن المستقبل قد أصبح خلف ظهر كاتب السيرة ! وربما لأنني أضمرت كتابتها عبر نص روائي ، كما فعل كثير من المثقفين ؛ فأصبح بعضهم روائيين مشهورين وأصبح بعضهم الآخر طي النسيان ” . وأما الشاعر والفنان زهير أبو شايب الذي كتب كلمة غلاف الكتاب وصممه فقد تساءل قائلا : ” ما الذي تريد السيرة أن تنقله إلينا : شيخوخة الكاتب التي نطل من خلالها على الموت ، أم صباه الذي نطل من خلاله على الحياة ؟ هذا بالتحديد ما استوقفني في هذه السيرة الرشيقة التي لا تذهب إلى ما مضى ، بل إلى ما لا يمضي من حيواتنا . نعم. ثمة ما لا يمضي من حياة المرء ، وهو بالذات ما ينبغي أن ننقب عنه لنكتب سيرة فرحة وسلسة وقليلة التجهم . هذه سيرة نوستالجية خالية من أي رثاء مبطن للذات أو للعالم ، وخالية من الهزائم . إنها سيرة فرحة ومكتوبة بروح شابة ولغة مشرقة ، وأحسب أنها تختلف عن معظم ما قرأته من تلك السير التي يكمن خلفها ضمير متعال هرم ، هذه السيرة مضادة للهرم ” .
روائي ومترجم أردني | موقع قلم رصاص