فؤاد ديب |
وكانت ألواح موسى التي حفظها له الإله قبل أن يعود من خلوته ليجد أن قومه قد تمردوا وقويت شأفتهم، وبعد ذلك رفضوا الإنصياع لأوامره، فبقي وحده حتى ممن وثق بهم من الصفوة التي اختارها بنفسه، هكذا وببساطة يتم احتساب المصالح فعندما تصبح نتيجة المعادلة ناقص، بين طرفين أحدهما انتهازي والآخر هو الذي أوجد أصلاً قوانينه وحفظها وحصّنها جيداً كي يحرس مكتسابته، وكي يمنع أي إنسان من اختراقها والنفاذ إليها ومحاولة تغييرها كما كان يفعل كهنة المعابد في القرون الوسطى، كي يظلوا مُسيطرين على عامة الشعب من الدهماء ممن آمنوا بهم وبربهم فساقوهم كما تساق الماشية إلى أن أتى زمن ثار به الناس عليهم وحجّموا أدوارهم حتى داخل أسوار معابدهم ولم يبق سوى بعض العامة من الضالين عن صراط الشعب الذي آمن بحريته وقام كي يقول لهؤلاء الكهنة كفى.. آن لهذا الجدار الذي بنيتموه أن يتهدم وأن يتفتح العقل كي يرى الإنسان ببصيرته ما لم يره ببصره الذي فقده عندما أسلم زمام أموره لهؤلاء الكهنه الذين ساقوه كما تُساق الماشية دون وازع من ضميرهم الذي وأده أسيادهم توأد الوليدة قبل أن يتكور صدرها ويغري الآخرين بالكشف عن مكنونات ما تخبئه الصدور وينزلقون في رذيلة البحث والاستكشاف وهنا لابد لهؤلاء الكهنة من تجويع رعيتهم وتخويفهم من كشف الغطاء فكل غطاء يخفي تحته ما يخفي، وهذا الغطاء مقدس لديهم وقد قيل في الأمثال الشعبية (جوّع كلبك يلحق بك) مع الإعتذار؛ فسياسة التجهيل والتجويع سياسة قديمة اتبعها الكهنة وأسيادهم وقاموا بوضع خدم وجلادين لا يفقهون شيئاً سوى الطاعة العمياء لذوي الأمر، بتنفيذ عقوبات الجلد والتعذيب حتى الموت وكل ذلك لأن كهنتهم يأمرونهم بما في ألواحهم من نصوص لا يعرفها أحد سواهم وهذا ما يحصل اليوم أيضاً.
وبأسلوب ممنهج فسياسة التجهيل تبدأ من رعاية سياسة التّسرب من المدارس ووضع مناهج سيئة بكافة المقاييس، مناهج تُمجّد السّيد ونصوصه ولا تنتهي بتسريب أسئلة الإمتحانات للطلاب وتعيين أشخاص غير مناسبين وغير أكفاء كي يتم التحكم بهم لأنهم سيضطرون للتلاعب والإلتفاف على كل شيء كي يغطوا جهلهم وبالتالي إعادة إنتاج الجهل فالجيل الذي تعلم على أيدي جهلة لابد أنه سيكون جاهلا -إلا من رحم ربي – ويدافع عن هذا الجهل باستماتة على أنه صواب، أما من ناحية التجويع فهو الوسيلة الأنجع لربط (الطّميشة)على أعين المُساق إلى زنزانة طعامه فمن بيت يشبه الزنزانة إلى زنزانة العمل الصباحي ثم المسائي و ثالثاً العودة إلى زنزانة السرير في آخر الليل فلا يكون هناك وقت كي يسأل لماذا أو كيف أو أن يصرخ كفى ويكتفي بما يسمع من هراء، وكل هذه السياسات تنطبق على كافة المجالات من ثقافة وإعلام وحتى أحزاب، فهناك طبقة تسعى وتعض بأسنانها على مكتسباتها وامتيازاتها وكل ما يضعونه من لوائح وقوانين هي في خدمة مصالحهم أصلاً؛ تماماً كما كان يفعل كهنة المعابد في القرون الوسطى لكن هذه المرة بزيّ رسمي وربطة عنق.
شاعر وصحفي فلسطيني ـ ألمانيا | خاص موقع قلم رصاص