حبيب أديب شحاذة |
حظيت قضية الاصلاح خلال العقدين الماضيين بالأهتمام السياسي, وأشبعت بالدراسة والنقاش, وتمخض عنها رؤية شاملة للاصلاح كان من المفترض أن تعّبد الطريق نحو دولة القانون والمؤسسات.
رؤية بدأت بضرورة اصلاح القطاع العام وتطوير السياسات ومحاربة الفساد وتوسيع هامش الحرية وتعزيز دور المجتمع المدني, لكنها اصطدمت بألية التنفيذ, أي من أين نبدأ؟ هل نبدأ بالاصلاح الاداري أم الاقتصادي أم القانوني؟ لتقتصر العملية في النهاية على الصعيد الاقتصادي عبر سياسات تحريرية في إطار الساسية العامة للدولة, أو مايعرف بالخطط الخمسية.
وأُجّل موضوع الاصلاح السياسي والاداري, وتم الإلتفاف على الاستحقاقات الرئيسية, مع استمرار المعاناة من سوء الادارة والفساد في ظل سياسة عامة حافظت على التوازنات عند الحد الأدنى بما يؤمن استمرارية الحكم في ظل الظروف الاقليمية والدولية, الأمر الذي انعكس سلباً على مشهد الادارة العامة السورية الذي مازال يتخبط بين هياكل ادارية غير مستقرة سواء لناحية الفصل أو الدمج أو الالغاء, وعلى اختلال التوازنات عند بداية الأزمة, حيث يرجع الكثير من الباحثين أن ماحصل في سورية يعود في جزء منه الى الأختناق المؤسسي.
والاصلاح الاداري بالتعريف هو : مجموعة من الاجراءات المتخذة تٌعالج مجموعة من الانحرافات السلوكية الشاذة الحاصلة في المجتمع أو في بعض قطاعات الدولة عن المسار الاداري السليم, وبإسقاط هذا التعريف على الواقع الاداري السوري, نجد أن الانحرافات السلوكية لها الكثير من الاسباب منها:
- اقتصادية: تتعلق بتدني المستوى العام للأجور والتضخم والبطالة.
- تعليمية: ترتبط بتدني المستوى العلمي والثقافي للعاملين, وخاصة في الجوانب التنظيمية والادارية, وكذلك عدم استخدام الكفاءة كمعيار لاختيار العاملين للمناصب الادارية العليا.
- الفساد: المرتبط بألية السلطة الادارية, وكيفية الوصول اليها والخروج منها, ومنظومة القيم في المجتمع نتيجة تراكمات تاريخية وثقافية, ومشاكل الادارة ذاتها وما ينتج عنها.
ضمن هذه المؤشرات المتشابكة والمتداخلة, فشلنا في تحقيق مشروع الاصلاح الاداري, في ظل واقع سياسي واجتماعي واقتصادي مستقر نسبياً, وُممتلك بنية تحتية ملائمة لشروط المعيشة, وخدمات الصحة والتعليم, وطاقة مدعومة, ومفتقد للحريات والمشاركة السياسة.
الأن ونتيجة الأزمة اختلفت هذه المؤشرات بشكل كامل, وأصبحت سلبية بخسارة سورية ما يقارب ثلاثة عقود في مجال التنمية البشرية المرتبطة بشكل دقيق بعملية الاصلاح, رغم ذلك أطلقت الدولة من جديد مشروع الاصلاح الاداري عبر إحداث وزارة التنمية الادارية (2014), التي تهدف الى تنظيم وتطوير أداء الادارة والوظيفة العامة, وتحسين خدماتها للمواطنين, ومكافحة الفساد الاداري.
ورغم مرور أكثر من عام على إحداث وزارة التنمية الادارية, هنا يحضرنا السؤال, هل وصلنا الى فهم ألية و ماهية عمل الوزارة, ووحدات التنمية الادارية وأهمية دورها في الجهة العامة التي أحدثت فيها؟ وإذا وصلنا, فهل نستطيع إنجاز مشروع الاصلاح الشامل بواقع تنموي بشري سلبي المؤشر؟
بالنتيجة معيار الاصلاح الاداري ليس بضخامة الهياكل الادارية, ولا بتوفير مؤسسات متعددة, ولا بالدورات التدريبية للموظفين, معيار الاصلاح هو تحسين العلاقة بين الادارة والمواطن, المواطن هو المدخل الى الاصلاح ( نقطة الأنطلاق ونقطة الوصول) بالتالي أمام وزارة التنمية خيارين لا ثالث لهما, إما أن تعلن فشلها في تحقيق مشروع الاصلاح نتيجة المعيقات والعقبات, وأهمها التكلفة المادية, فعملية الاصلاح مكلفة جداً, أو أن يكون دورها منحصر في التمهيد وبناء الأرضية المناسبة للاصلاح للإقلاع به في مرحلة إعادة إعمار سورية بعد انتهاء الحرب.
سورية | خاص موقع قلم رصاص