الرئيسية » مبراة » درب الجلجلة

درب الجلجلة

داخل أحد فصول تعليم اللغة الهولندية جلب المدرس خارطة الكرة الأرضية ووضعها أمام الطلاب وطلب من كل واحد أن يحدد بلده على الخريطة، لم يجد الطلبة الفلسطينيين بلدهم في خريطة الكرة الأرضية تلك، مد الطلاب العرب أيديهم على الفور إلى موضع القلب، المكان الطبيعي لفلسطين المحتلة لكنهم لم يجدوا القلب مكانه، بحثوا ولكن بلا جدوى، جعلوا  “إسرائيل” مكان فلسطين في الخرائط الجغرافية هنا، لا أعرف ما الذي شعرت به حينها لكن أكاد أجزم أن لا ألم يضاهي حجم الألم الذي شعرنا به جميعاً، كذلك الأستاذ لاحظ غصتنا فما كان منه إلا أن بادر وكتب اسم فلسطين بخط يده على السبورة، ونقلناه نحن إلى دفاترنا ولكن أحد منا لم يجرؤ أن يناقش الأمر أو يفتح الموضوع بعد انتهاء الدرس، لأن لا كلمات تعبر عن ألم الظلم.

تحييد القضية الفلسطينية أصبح واقعاً ملموساً وتهميشها الكلي يجعلها أقرب إلى النسيان منها إلى العودة وحقها المشروع، إن الجيل الجديد لم يعد منتمياً لأرضه وقضية شعبه كما الأجيال السابقة في الوقت الذي يُصبح الإسرائيلي أكثر إيماناً وولاء لقضية إسرائيل الكبرى.
عندما يبني الإسرائيليون بناءً يرمون في أساساته الكثير من النقود المعدنية، هم يفكرون لآلاف السنين من أجل أجيالهم القادمة كي تجد في أرض فلسطين آثاراً تؤكد أن هذه الأرض لهم، والأدلة على موت القضية المركزية كثيرة، ولنقل موتاً سريرياً كي لا يتهمنا بعض القوميين الشوفينيين بالتخادل والاستسلام، كم من الشباب الفلسطيني قد تركوا غزة المحاصرة والقدس مقطعة الأوصال وجاؤوا إلى سورية ينفذون عمليات انتحارية، كم سوري ما زال يؤمن الآن قضية فلسطين وضرورة تحريرها؟
وهل من عراقي ما زال يثق بقدرة جيشه على تحرير فلسطين؟
وماذا ستفعل مصر المكبلة باتفاقية كامب ديفيد يُضاف إليها الديون التي تثقل كاهل البلاد؟
ويبقى بدو الخليج الأمريكي رعاة الخيانة الأبدية.
لكن ما زال بعض الشباب يقاومون بالفكر والكلمة إيماناً منهم بضرورة التصدي لكل مشاريع الهيمنة الفكرية والثقافية التي تدعو للتطبيع، إلا أن ذلك ليس بالأمر السهل، كما أن نتائجه على أرض الواقع لا تبشر بالخير، فالتشذرم العربي أصبح راسخاً متجذراً وما عاد اجتمع شمل العرب إلا للكيد لدولة ترفض الانسياق مع القطيع وتقديم الولاء للصهاينة في السر أو العلن، وهذا يأخذ الشباب باتجاه منحى آخر يقوم على مبدأ اللهم اسألك نفسي، ليس على مستوى الدول فقط إنما على مستوى الفرد، ولنا أن نتخيل الوضع العام للمجتمع وعلاقته بالمجتمعات الأخرى كيف سيكون.
كان لا بد من تحويل القضية الفلسطينية من قضية مركزية على مستوى الشعارات المطروحة على الأقل إلى قضية ثانوية جداً تندثر مع الزمن والغرب ليس مُستعجلاً ويلعب بالنفس الطويل رغم أن ذلك لا يعجب الكيان الصهيوني لكنه شر لا بد منه، وهذا النوع من اللعب يحتاج إلى تبديل مستمر للأدوار واللاعبين وحتى تغيير شروط التحكيم وفق المتغيرات الطارئة إلا أنه بالعموم يسير وفق منهج مدروس وقد بدأ الكيان الصهيوني يقطف ثماره مع انطلاق سُعار ما يُسمى بـ”الربيع العربي”.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …