محمد شكر |
انتصبَ وجهُها قدامي، لمّا رأتني .. وكان ذلك بالنسبةِ لي مؤشراً شامخاً على إعجابِها، أو ميلاً مذعناً لنحوي، لكنني تجاهلتُ الرسائلَ غير المنطوقة، كطبيبٍ لا يأبه لتأوهاتِ مريضهِ تحت المشرطِ الحاد ..
ويتابعُ عمله بهدوء، لعلمه بأنّ الألمَ عابرٌ وأن تجاوبه مع رغبة المريض بالتوقف عن تنظيف الجرح، قد يريحه لبعض الوقت، إلا أنه سيفاقم نزيفَهُ ويكبّده الدماءَ الإضافية.
لم يأتِ تجاوبي متأخراً، لأنها جميلة أو ثرية، بل لأنّ التجاربَ معها لا يمكن أن تتكرر، سوى في أبعد فرع للجنّة عن الأنظار، حيثُ سيعادُ بحث أنوثتِهـا من جديد. وهذا ما أبحث عنه بالضبط! بسمتي الماكرةُ التي سدّدتها، مستنداً إلى مهارتي في اختراقِ الدفاعات، لاختبار الضوء الأخضر، لم تُقابل سوى بالعين الحمراء المتجاهلة.
هل بالغتُ في تقديرِ قيمتي وبخستها، أم فهمتُ الانتصاب المزعوم بطريقة صبيانية ساذجة؟
هل لديّ من الشجاعةِ في الاقتراب والإعلان الوقح عن رغبتي في علاقة مستمرّة للأسباب السابق ذكرها؟!
كدتُ أقومُ عن مقعدي، لولا أن أجلستني أسئلةُ اللحظة الأخيرة وتحضير الإجابات، لكنني بعد صرامة مرتجلةٍ، قمتُ من مكاني، كمن أطلق قلبهُ للريحِ
ومشى على حذاءٍ مهترئٍ من الثقة.
استدارت تجاهي بالضفائر السوداءِ والرأسِ كما لو أنّها قدّرتْ دقيقةَ الحسم.
أعرّفكَ بنفسي، أنا ماشـا!
أنتِ ماشا؟ كيف لها أن تباغتني بهذا الإستقبال البارد وتنسف كلّ جوارير خبرتي التي ملأها التيفاشي والنفزاوي والسيوطي والطوسي وابن الأزرق؟
هل هي حيلة، حتى تُفهمني أنها صلبة أمام هذا النوع من الرجال الذي مثلته أمامها؟ وأنها لا تنتمي إلى ورق الخريف عند تبدّل الفصول ودوران الأرض السنويّ.
ومن المعروف أنّ دورتي الشهريةِ في الطرقات والحانات والمكتبات العامةِ، كانت تعود عليّ بالصاحبة والصاحبتين على أبعد تقدير، لكنني لا زلتُ خاسرًا في الدورة الراهنة!
ندمتُ بعد دقيقةٍ إلا هنيهة، من إقامتي للحوار باتجاه قبلتها، على مشاجرتي الأخيرةِ مع ألبرتو مورافيـا.
ما الذي دها جمجمتي، حتى أفرّط بموروثات هذا الرجل العلاّمة في مضامير النساء وأحزمتهنّ الناسفة الفاتنة؟
تساقط عليّ الوحيُ للتوّ وذلك بعد أن هزّت كلمةٌ محكمة عابرةٌ نخلَ أخيلتي على الإثرِ بفكرةٍ فسوّاها وعلى عكس مريم، لم أكن بحاجة للأسودين ولا إلى الطعام، بل إلى طعام القلب. ولم أخشَ عقباها، لأنني خلعتُ صمتَ أسئلتي وتجولتُ عاريًا، متخليًا عن خجلي المعروفِ ورباطة نفسي حتى أبهرت العينين السوداوين بستريبتيز أفكارٍ لا مثيلَ لهُ، أعادَ إلى حضني شيئًا من الرجولة والخُيلاء العنيفة، التي صعدَت بالدم إلى أعلى حيثُ الصقر الجارح صاحب الصيت الطيب في مجال ارتياد أغلفة السماء والمهاوي السحيقة!
ألمانيا | خاص موقع قلم رصاص