الرئيسية » إبــداع » كتاب وسكين وجبنة

كتاب وسكين وجبنة

نور شنتوت  |  

مطبخ صغير، شقة باردة كبيرة وفارغة، ثلاثة غرف وحمامين، وفي غرفتها هدية مغلفة باعتناء، وضعت حقيبة السفر الحمراء جانباً.. كتاب عن فنانها المفضل -الباحث متخصص بهذا الفنان والفيلسوف الذي تحب- اضطرت أن تبتسم، وضعته جانباً، عازمة أن تصل المطبخ، السكين ضخمة ومدللة من شريكها في السكن هذه السكين من بين كل السكاكين ليس مسموحاً أن نضعها في غسالة الصحون، فقد تفقد حديتها، حدقت بها وبعلبة الجبنة وبعروق يديها البارزة.

هناك إحتمالان لا أكثر، إما أن تأكل الجبنة أو أن تقطع أوصالها، فهي سكين “جيدة” ولن يأخذ الأمر أكثر من ثوان، جميعهم مسافرون، وهي أتت باكراً والمشهد مسرحي بإمتياز، ضوء أصفر ليس بخافت أو بقوي.

نباتاتها تحتاج السقاية الآن. تسقي النباتات وتعود إلى الكادر. جبنة وسكين حادة وجيدة وعروقها ويدان وضوء أصفر ومطبخ صغير ونظيف ونافذة تطل على نوافذ مغلقة وسواتر مغلقة وطيف ضوء وغرباء ومدينة فارغة، وهي جاهزة وعازمة، كتبت لأغلب من تحب، لا رسائل ولا وصايا كتبت ما تكتب لهم عادة، فعليها أن تكون حذرة لا يلزمها ما يؤنّب الضمير في لحظات كهذه ولا يلزمهم ما يتوقف عنده خط الذاكرة.

وبحديث في بار الجاز في غراتس-مدينة في النمسا تبعد عن بيتها ساعتين ونصف وخمس دقائق- لمّحَت لصديقتها أنها فكرت بحرق جثتها لأنها لا تحب المقابر، لا تشعر بأي شيء هناك لا أكثر، تذكرت وقالت أنها لا تأبه حقاً، فالمحارق كالمقابر وهذا سيؤلم عائلتها وتحججت أن هذا غير موجود “بثقافتها”، وهو عدم وسواد، فلم الإكتراث؟ 

 جبنة وسكين حادة وجيدة وعروقها ويدان وضوء أصفر ومطبخ صغير ونظيف ونافذة تطل على نوافذ مغلقة وسواتر مغلقة وطيف ضوء وغرباء ومدينة فارغة، وهي جاهزة وعازمة، وهدوء جمهور، في اللحظة التي تتصاعد فيها الأحداث في المسرح تمسك السكين وتلتهم الجبنة وتتصفح الكتاب.

فيينا  | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

سرابٌ بطعم الوطن

دَعُوهَا ليّسَ لَهَا مُسْتَقَرٌّ في ظلال ِ الياسيمن سرابُهُم في كفِّه وطنٌ التيه: هل من …